Success Habits
You Can Do It

باب التنظيف والتبكير

Nikahdating Advert

باب التنظيف والتبكير
[44] بَابُ التَّنْظِيفِ وَالتَّبْكِيرِ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
**********
.
1381 – عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» “.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

[44] بَابُ التَّنْظِيفِ وَالتَّبْكِيرِ أَيْ: تَطْهِيرِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ مِنَ الْوَسَخِ وَالدَّرَنِ، وَمِنْ كَمَالِهِ التَّدْهِينُ وَالتَّطَيُّبُ.
(وَالتَّبْكِيرِ) : فِي النِّهَايَةِ: بَكَّرَ بِالتَّشْدِيدِ أَتَى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَكُلُّ مَنْ أَسْرَعَ إِلَى شَيْءٍ فَقَدْ بَكَّرَ إِلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ: ” مَنْ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ ” فَقِيلَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَكُرِّرَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَقِيلَ مَعْنَى ابْتَكَرَ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ، وَأَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ بَاكُورَتُهُ.
الفصل الأول.
1381 – (عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا يَغْتَسِلُ “) : بِالرَّفْعِ (” رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ “) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِثْلُهُ الْمَرْأَةُ كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ النِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ» ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَفِيهِ أَنَّ حُكْمَ النِّسَاءِ تَغَيَّرَ فِي زَمَانِنَا ; إِذْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إِلَى الْجُمُعَةِ (” وَيَتَطَهَّرُ “) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: ” فَيَتَطَهَّرُ “، أَيْ يَتَنَظَّفُ (” مَا اسْتَطَاعَ “) ، أَيْ: مَا قَدَرَ (” مِنْ طُهْرٍ “) : التَّنْوِينُ لِلتَّكْثِيرِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: أَرَادَ بِالطُّهْرِ قَصَّ الشَّارِبَ، وَقَلْمَ الْأَظْفَارِ، وَحَلْقَ الْعَانَةِ، وَنَتْفَ الْإِبِطِ، وَتَنْظِيفَ الثِّيَابِ، (” وَيَدَّهِنُ “) : بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، أَيْ: يَتَدَهَّنُ (” مِنْ دُهْنِهِ “) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ (” أَوْ يَمَسُّ “) : قِيلَ: ” أَوْ ” لِلتَّنْوِيعِ، وَالْمَعْنَى إِنْ لَمْ يَجِدِ الدُّهْنَ يَمَسَّ، وَقِيلَ: أَوْ لِلشَّكِّ اهـ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ” أَوْ ” بِمَعْنَى ” الْوَاوِ ” ; لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ اجْتِمَاعُهُمَا أَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ (” مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ “) : قَالَ الطِّيبِيُّ: قَيَّدَهُ إِمَّا تَوْسِعَةً كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: وَمَسَّ مِنْ طِيبِهِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، أَوِ اسْتِحْبَابًا لِيُؤْذِنَ بِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَّخِذَ الطِّيبَ لِنَفْسِهِ، وَيَجْعَلَ اسْتِعْمَالَهُ عَادَةً لَهُ، فَيَدَّخِرَهُ فِي بَيْتِهِ، فَلَا تَخْتَصُّ الْجُمُعَةُ بِالِاسْتِعْمَالِ، قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: لَكِنْ يُفْهَمُ مِنَ الْحَدِيثِ الِاهْتِمَامُ بِاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فِي خُصُوصِيَّةِ هَذَا الْيَوْمِ اهـ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ التَّطَيُّبَ مُسْتَحَبٌّ دَائِمًا، لَكِنْ أُكِّدَ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ فِي خُصُوصِ وَقْتِ إِرَادَةِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: مَعْنَى الدُّهْنِ هُنَا الطِّيبُ، وَ (أَوْ يَمَسُّ) لِلتَّرَدُّدِ مِنَ الرَّاوِي، وَقِيلَ: تَخَيَّرَ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَدْهَانِهِمْ كَانَ مُطَيَّبًا، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، أَيْ: إِنْ لَمْ يَجِدْ دُهْنًا.
أَوْ تَكُونُ ” أَوْ ” بِمَعْنَى الْوَاوِ وَإِضَافَتُهُ إِلَى الْبَيْتِ حَقِيقَةٌ، لَكِنْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ: ” يَمَسُّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهُ “، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، قَالَ: وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ بَيْتَ الرَّجُلِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَرْأَةُ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ رِوَايَةَ: ” وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ ” تَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْتِ حَقِيقَتُهُ، تَأْمَّلْ، قَالَهُ مِيرَكُ.
فَتَأَمَّلْنَا فَوَجَدْنَا الْأَمْرَ أَوْسَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ حَقِيقَةُ بَيْتِ الرَّجُلِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَزَوِّجًا أَوْ عَزَبًا، وَلَا يُنَافِيهِ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ ; لِأَنَّ طِيبَهَا غَالِبًا مِنْ عِنْدِهِ، وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، فَإِنَّ الْإِضَافَةَ تَصِحُّ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، وَلَمَّا كَانَ طِيبُهَا غَالِبًا مُتَمَيِّزًا عَنْ طِيبِ الرَّجُلِ مُتَعَيِّنًا مُتَبَيِّنًا لَهَا، أَشَارَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ طِيبٌ مُخْتَصٌّ لِاسْتِعْمَالِهِ، وَأَكَدَّ فِي التَّطَيُّبِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَبَالَغَ حَتَّى قَالَ: ” وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ “، أَيْ: وَلَوْ مِنْ طِيبِهَا حَقِيقَةً، أَيْ: مِنْ مِلْكِهَا، فَإِنَّ حُسْنَ الْمُعَاشَرَةِ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي هَذَا الِانْبِسَاطَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(” ثُمَّ يَخْرُجُ “) ، أَيِ: ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِسُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ وَلَا لِخَوْفٍ وَحَيَاءٍ، (” فَلَا يُفَرِّقُ “) : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ (” بَيْنَ اثْنَيْنِ “) : كَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، أَوِ الصَّاحِبَيْنِ الْمُسْتَأْنِسَيْنِ، أَوْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَا فُرْجَةَ بَيْنَهُمَا، فَيَحْصُلَ الْأَذَى لَهُمَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّبْكِيرِ، أَيْ: عَلَيْهِ أَنْ يُبَكِّرَ فَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، وَيُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِبْطَاءِ، أَيْ: لَا يُبْطِئُ حَتَّى لَا يُفَرِّقَ، فَحِينَئِذٍ يَنْطَبِقُ الْحَدِيثُ عَلَى الْبَابِ يَعْنِي مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّنْظِيفِ وَالتَّبْكِيرِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعُنْوَانَ كُلَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِنَ الْبَابِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ ظَاهِرُهُ مِنْ طَلَبِ عَدَمِ التَّخَطِّي، وَإِنْ لَمْ يُبَكِّرْ بِأَنْ يَجْلِسَ آخِرَ النَّاسِ، وَلَا يَتَخَطَّى أَحَدًا مِنْهُمْ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَدِيثَ الْآتِيَ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
(” ثُمَّ يُصَلِّيَ مَا كُتِبَ لَهُ “) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ: مَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِقَوْلِهِ الْآتِي: ثُمَّ يُنْصِتُ، وَلِقَوْلِهِ لَهُ: فَالصَّوَابُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي: مَا قُدِّرَ لَهُ، أَيْ مِنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ أَرْبَعٌ، أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْقَضَاءِ أَوِ النَّوَافِلِ، وَأَقَلُّهُ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: (” ثُمَّ يُنْصِتُ “) : بِضَمِّ الْيَاءِ يُقَالُ: أَنْصَتَ يُنْصِتُ إِنْصَاتًا إِذَا سَكَتَ سُكُوتَ مُسْتَمِعٍ، وَقَدْ نَصَتَ أَيْضًا وَأَنْصَتَهُ إِذَا أَسْكَتَهُ، فَهُوَ لَازِمٌ مُتَعَدٍّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَبِالْفَتْحِ يُوهِمُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ أَوْ نُسْخَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(” إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ “) ، أَيْ: خَطَبَ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: يَحْرُمُ فِي الْخُطْبَةِ الْكَلَامُ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْبِيحًا، وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْكِتَابَةُ، وَيُكْرَهُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَرَدُّ السَّلَامِ، وَهَلْ يَحْمِدُ إِذَا عَطَسَ؟ الصَّحِيحُ نَعَمْ فِي نَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ، لَكِنْ أَشَارَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِيَدِهِ حِينَ رَأَى مُنْكَرًا، الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ يُسْمَعُ، فَلَوْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ، فَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ اخْتَارَ السُّكُوتَ، وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ اهـ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِالذِّكْرِ لِمَنْ لَمْ يُسْمَعْ، وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَكَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
(” إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى “) : الْمُرَادُ بِهَا الْمَاضِيَةُ أَوِ الْمُسْتَقْبَلَةُ، وَالْأُولَى أَوْلَى ; لِأَنَّ الْغُفْرَانَ بِالسَّابِقِ أَحْرَى، قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: كِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْمُرَادُ بِالْأُخْرَى الَّتِي مَضَتْ كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَلَفْظُهُ: ” غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا “، قَالَ مِيرَكُ: أَقُولُ: وَكَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي وَلَفْظُهُ: ” كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا “، لَكِنْ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا بِلَفْظِ: ” فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ “، يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ تَأَمَّلْ.
اهـ.
فَتَأَمَّلْنَا فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ: الَّتِي تَلِيهَا يَحْتَمِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ، فَحَمَلْنَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ نَصًّا فِي الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ، قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ الَّتِي تَعْقُبُ لَا شَيْءَ فِيهَا مُكَفَّرٌ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي الْمُكَفِّرَةِ الْمُرْتَبِطَةِ بِزَمَنٍ أَوْ عَمَلٍ أَنَّهَا إِنْ وَجَدَتْ شَيْئًا كَفَّرَتْهُ وَإِلَّا رُفِعَ لِلْفَاعِلِ دَرَجَاتٌ بِقَدْرِ تِلْكَ الطَّاعَةِ.
(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

✩✩✩✩✩✩✩

healthy primal banner advert

1382 – وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” «مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» “.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1382 – (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ “) : فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ، وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوِ اغْتَسَلَ قَبْلَ الصُّبْحِ وَصَلَّى بِهِ كَانَ آتِيًا بِالسُّنَّةِ، وَلَوِ اغْتَسَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِهَا، وَكَذَا غُسْلُ الْعِيدِ، وَوَقَعَ فِي أَصْلِ ابْنِ حَجَرٍ زِيَادَةُ (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) بَعْدَ قَوْلِهِ: مَنِ اغْتَسَلَ، فَبَنَى عَلَيْهَا، وَقَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا قَالَهُ أَئِمَّتُنَا أَنَّ وَقْتَ غُسْلِهَا يَدْخُلُ بِفَجْرِ يَوْمِهَا اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ.
(” فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ “) : بِتَشْدِيدِ الدَّالِ (” ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ “) ، أَيِ: الْخَطِيبُ (” مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ مَعَهُ “) : بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى ” يَفْرُغَ “، فَيُفِيدُ الْإِنْصَاتَ فِيمَا بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةَ أَيْضًا، وَقِيلَ: بِالرَّفْعِ فَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى ” ثُمَّ أَنْصَتَ “، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ لَفْظًا وَمَعْنًى.
(” غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ “) ، أَيْ: ذُنُوبُ مَا بَيْنَهُ، أَوْ قَدْرُ ذُنُوبِ مَا بَيْنَهُ (” وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ “) : بِرَفْعِ (فَضْلُ) عَطْفًا بِالْوَاوِ بِمَعْنَى ” مَعَ ” عَلَى ” مَا ” فِي ” مَا بَيْنَهُ “، أَيْ: بَيْنَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مَعَ زِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى السَّبْعَةِ لِتَكُونَ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَجُوِّزَ الْجَرُّ فِي فَضْلٍ لِلْعَطْفِ عَلَى الْجُمُعَةِ وَالنَّصْبُ عَلَى الْمَفْعُولِ مَعَهُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ بِذَلِكَ مَا بَيْنَ السَّاعَةِ الَّتِي يُصَلِّي فِيهَا الْجُمُعَةَ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْجُمُعَةِ، فَيَكُونُ الْعَدَدُ سَبْعًا، وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَتَصِيرُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ ; لِأَنَّهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – كَانَ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْمَغْفُورَ ذُنُوبُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ زِيدَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَأَخْبَرَ بِهِ إِعْلَامًا بِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ.

✩✩✩✩✩✩✩

golf336

1383 – وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ ; غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» “.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1383 – (وَعَنْهُ) ، أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ” مَنْ تَوَضَّأَ “) : فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الرُّخْصَةِ، وَدَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ، وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ.
(” فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ “) ، أَيْ: أَتَى بِمُكَمِّلَاتِهِ مِنْ سُنَنِهِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، أَيْ: أَتَى بِوَاجِبَاتِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ إِتْيَانَهَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: تَوَضَّأَ مَعَ أَنَّ الْمُكْتَفِيَ بِالْوَاجِبِ مُسِيءٌ لَا مُحْسِنٌ، (” ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ “) ، أَيْ: حَضَرَ خُطْبَتَهَا وَصَلَاتَهَا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ أَتَى مَحَلَّهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ، (” فَاسْتَمَعَ “) : إِنْ كَانَ قَرِيبًا، وَيَلْزَمُ مِنَ الِاسْتِمَاعِ الْإِنْصَاتُ دُونَ عَكْسِهِ، (” وَأَنْصَتَ “) ، أَيْ: سَكَتَ إِنْ كَانَ بَعِيدًا، لَكِنْ جَوَّزَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ حِينَئِذٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قُرْبَ الْخَطِيبِ أَفْضَلُ، وَقِيلَ: فِي زَمَانِنَا الْبُعْدُ مِنْهُ أَكْمَلُ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: وَأَنْصَتَ تَأْكِيدٌ بَلْ تَأْسِيسٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الِاسْتِمَاعَ وَيَتَكَلَّمُ، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَابُدَّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ قَصْدِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ اهـ.
وَوَجْهُ الْغَرَابَةِ قَوْلُهُ: تَأْكِيدٌ بَلْ تَأْسِيسٌ، وَقَوْلُهُ: قَصَدَ الِاسْتِمَاعَ، وَالصَّوَابُ قَصَدَ السَّمَاعَ فَإِنَّهُ الِاسْتِمَاعُ.
(” غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ “) ، أَيِ: السَّابِقَةِ كَمَا سَبَقَ (” وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى “) ، أَيْ: سَوَّاهُ لِلسُّجُودِ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: بِطَرِيقِ اللَّعِبِ، وَفِي حَالِ الْخُطْبَةِ (” فَقَدْ لَغَا “) : يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَالْيَاءِ، أَيْ: أَتَى بِصَوْتِ لَغْوٍ مَانِعٍ عَنِ الِاسْتِمَاعِ، فَيَكُونُ شَبِيهًا بِمَنْ ذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26] ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ ” مَنْ لَغَا، أَيْ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يُشْرَعُ لَهُ، أَوْ عَبَثَ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ صَوْتٌ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ، أَيْ كَامِلَةً اهـ.
وَقِيلَ: لَغَا عَنِ الصَّوَابِ، أَيْ مَالَ.
فِي النِّهَايَةِ: لَغَى يَلْغِي وَلَغَى يَلْغَى وَلَغَا يَلْغُو إِذَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِي، وَهُوَ اللَّغْوُ، وَالْمُرَادُ بِمَسِّ الْحَصَى تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ لِلسُّجُودِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: تَقْلِيبُ السُّبْحَةِ وَعَدُّهَا، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّ السُّبْحَةَ الْمَعْرُوفَةَ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.

✩✩✩✩✩✩✩

golf336

1384 – وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1384 – (وَعَنْهُ) ، أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ “) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ اهـ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَسْتَمِرُّونَ مِنَ الصُّبْحِ، أَوْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ مِنْ حِينِ الزَّوَالِ وَهُوَ أَقْرَبُ، (” عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ “) ، أَيِ: الْجَامِعِ (” يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ “) : قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيِ الدَّاخِلَ الْأَوَّلَ، وَالْفَاءُ فِيهِ وَثُمَّ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً كِلْتَاهُمَا لِتَرْتِيبِ النُّزُولِ مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَدْنَى، لَكِنْ فِي الثَّانِيَةِ تَرَاخٍ لَيْسَ فِي الْأُولَى.
(” وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ “) ، أَيِ: الْمُبَكِّرِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَالتَّبْكِيرُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ الْمُبَادَرَةُ إِلَيْهِ، وَهِيَ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ أَئِمَّتِنَا، أَيِ السَّائِرِ إِلَى الْمَسْجِدِ بَعْدَ الزَّوَالِ ; لِأَنَّ التَّهْجِيرَ هُوَ السَّيْرُ فِي الْهَاجِرَةِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ نِصْفَ النَّهَارِ، وَقِيلَ: التَّهْجِيرُ إِلَى الصَّلَاةِ التَّبْكِيرُ إِلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الِاتِّسَاعِ جُعِلَ الْوَقْتُ الَّذِي يَرْتَفِعُ فِيهِ النَّهَارُ، وَيَأْخُذُ الْحُرُّ فِي الِازْدِيَادِ مِنَ الْهَاجِرَةِ، كَمَا يُسَمَّى النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِنَ النَّهَارِ غُدْوَةً وَالْآخَرُ عَشِيَّةً، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: ” وَمَثَلُ اَلْمُهَجِّرِ ” عَطَفَتِ الْجُمْلَةَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَفُوِّضَ التَّرْتِيبُ إِلَى الذِّهْنِ ; لِأَنَّهَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ الْفَاءِ التَّفْصِيلِيَّةِ، وَالْوَاوُ هُنَا أَوْقَعُ مِنَ الْفَاءِ ; لِأَنَّهَا تُوهِمُ الْعَطْفَ عَلَى الْأَوَّلِ الثَّانِي، وَالْحَالُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى يَكْتُبُونَ.
(” كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي “) : مِنَ الْإِهْدَاءِ (” بَدَنَةً “) ، أَيْ: نَاقَةً تُنْحَرُ بِمَكَّةَ.
مِنْ بَدُنَ الرَّجُلُ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، أَيْ ضَخُمَ، وَالْبَدَنَةُ وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى الْبَقَرَةِ أَيْضًا عِنْدَنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، لَكِنَّ تَقَابُلَهَا هُنَا بِقَوْلِهِ: (” ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً “) : خَصَّهَا بِالنَّاقَةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: سُمِّيَتْ بَدَنَةً لِعِظَمِ بَدَنِهَا وَهِيَ الْإِبِلُ خَاصَّةً، وَفِي اخْتِصَاصِ ذِكْرِ الْهَدْيِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا يُهْدَى إِلَى الْكَعْبَةِ إِدْمَاجٌ لِمَعْنَى التَّعْظِيمِ فِي إِنْشَاءِ الْجُمُعَاتِ، وَأَنَّهُ بِمَثَابَةِ الْحُضُورِ فِي «عَرَفَاتٍ» ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْمُرَادُ بِالْبَدَنَةِ هُنَا وَاحِدَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى الْبَقَرِ بَلِ الْغَنَمِ، تَارَةً لِلْوَحْدَةِ، أَيْ: يَنْقُلُهَا إِلَى حَرَمِ مَكَّةَ لِيَذْبَحَهَا فِيهِ تَقْرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى مَا وَرَدَ: الْجُمُعَةُ حَجُّ الْمَسَاكِينِ.
(” ثُمَّ كَبْشًا “) : وَهُوَ الْحَمَلُ إِذَا أَثْنَى، أَوْ إِذَا خَرَجَتْ رَبَاعِيَتُهُ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَبْشًا أَقْرَنَ مُبَالَغَةً فِي حُسْنِهِ، (” ثُمَّ دَجَاجَةً “) : فَتْحُ الدَّالِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَحُكِيَ الضَّمُّ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: بَدَلَ الدَّجَاجَةِ بَطَّةً، وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي عُصْفُورًا، (” ثُمَّ بَيْضَةً “) : وَفِي قَبُولِ الْإِهْدَاءِ بِالْأَخِيرَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ الْحَجِّ إِشَارَةٌ إِلَى سَعَةِ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ مَفْرُوضٌ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، وَالْجُمُعَةُ عَامَّةُ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءُ، (” فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ “) : أَرَادَ نَفْسَهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – فَالْمُرَادُ الْخُرُوجُ الْحَقِيقِيُّ مِنَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ، أَوِ الْمَعْنَى إِذَا ظَهَرَ الْإِمَامُ بِدُخُولِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ بِطُلُوعِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْأَخِيرُ أَنْسَبُ.
(” طَوَوْا “) أَيِ: الْمَلَائِكَةُ، (” صُحُفَهُمْ “) أَيْ: دَفَاتِرَهُمُ الَّتِي يَكْتُبُونَ فِيهَا أَسْمَاءَ أَهْلِ الْجُمُعَةِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا، وَالْأَجْرَ عَلَى قَدْرِ مَرَاتِبِهِمْ فِي السَّبْقِ فَرْعًا وَأَصْلًا، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: ” طَوَوْا صُحُفَهُمْ فَلَا يَكْتُبُونَ شَيْئًا ” أَيْ: مِنْ ثَوَابِ التَّبْكِيرِ.
(” وَيَسْتَمِعُونَ “) أَيِ: الْمَلَائِكَةُ مَعَ النَّاسِ (” الذِّكْرَ “) أَيِ: الْخُطْبَةَ.
قَالَ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] ، وَسُمِّيَتْ بِهِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ إِجْمَالِهَا وَإِكْمَالِهَا، وَلَعَلَّ الْعُدُولَ عَنْ قَوْلِهِ: وَاسْتَمِعُوا الْمُنَاسِبِ لِلْعَطْفِ عَلَى طَوَوْا ; حُصُولُ اشْتِرَاكِ الْغَيْرِ مَعَهُمْ فِي الِاسْتِمَاعِ، وَدُخُولِهِمْ فِي مَدَاخِلِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِمَاعِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ، يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ مَكَانًا خَالِيًا قَبْلَ صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، كَذَا وَجَدْنَاهُ فِي دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةِ اهـ.
وَهُوَ بِدْعَةٌ أَحْدَثَهَا الْأُمَرَاءُ حَيْثُ كَانُوا خُطَبَاءَ لِتَكَبُّرِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَعَدَمِ اخْتِلَاطِهِمْ بِالْأَوْلِيَاءِ، وَتَسَلُّطِهِمْ عَلَى طَلَبَةِ الدُّنْيَا مِنَ الْعُلَمَاءِ.
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ” «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» “.
فَذَهَبَ مَالِكٌ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَاتِ لَحَظَاتٌ لَطِيفَةٌ بَعْدَ الزَّوَالِ ; لِأَنَّ الرَّوَاحَ فِي اللُّغَةِ: الذَّهَابُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا أَوَّلُ النَّهَارِ، وَالرَّوَاحُ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إِنَّهُ الذَّهَابُ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ، أَوْ فِي اللَّيْلِ ; لِأَنَّ ذِكْرَ السَّاعَاتِ إِنَّمَا هُوَ لِلْحَثِّ عَلَى التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا، وَالتَّرْغِيبِ فِي فَضِيلَةِ السَّبْقِ، وَانْتِظَارِ الْجُمُعَةِ، وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّنَفُّلِ وَالذِّكْرِ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِالذَّهَابِ بَعْدَ الزَّوَالِ اهـ.
وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَمْشُونَ عَلَى السَّرْجِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجَامِعِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ: وَأَوَّلُ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلَامِ تَرْكُ التَّبْكِيرِ إِلَى الْمَسَاجِدِ.

✩✩✩✩✩✩✩

healthy primal banner advert

1385 – وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ» “.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1385 – (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ “) أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ (” يَوْمَ الْجُمُعَةِ “) : ظَرْفٌ، (أَنْصِتْ) : مِنَ الْإِنْصَاتِ بِمَعْنَى السُّكُوتِ مَقُولُ الْقَوْلِ، (” وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ “) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، (” فَقَدْ لَغَوْتَ “) : جَزَاءُ الشَّرْطِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: لَغَيْتَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] ، قَالَ مِيرَكُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ الْإِنْصَاتُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ اهـ.
وَلَعَلَّهُ قَالَ بِهِ فِي قَوْلٍ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ.
فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ حَتَّى يُنَافِيَ الْجَمْعَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ: لَغَوْتَ أَيْ: تَكَلَّمْتَ بِمَا لَا يَعْنِيكَ.
وَقِيلَ: خِبْتَ وَخَسِرْتَ، وَقِيلَ: مِلْتَ وَعَدَلْتَ عَنِ الصَّوَابِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ قَامَتْ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ فِي الْمَنُوبِ، لَا يَجُوزُ فِي النَّائِبِ.
تَمَّ كَلَامُهُ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا رَأْيٌ ضَعِيفٌ فِي مَذْهَبِهِ مَعَ حُرْمَةِ الْكَلَامِ لِنَهْيِهِ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
وَهَذِهِ الْعِلَّةُ حِكْمَةُ النَّهْيِ لَا أَنَّهَا قِيَاسٌ، فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ، فَكَيْفَ فِي حَقِّ مَنِ ارْتَكَبَ الْمُنْكَرَ، وَتَكَلَّمَ ابْتِدَاءً؟ ! وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ مَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِهِ الْمُعْتَمَدِ أَنَّ الْكَلَامَ حَالَ الْخُطْبَةِ وَلَوْ عَبَثًا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ اهـ.
قَالَ الْمُظْهِرُ: وَالْكَلَامُ مَنْهِيٌّ اسْتِحْبَابًا أَوْ وُجُوبًا، فَالطَّرِيقُ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالْيَدِ لِلسَّكْتِ اهـ.
كَلَامُهُ.
وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ: الْإِنْصَاتُ وَاجِبٌ، سَوَاءٌ سَمِعَ الْخُطْبَةَ أَمْ لَا.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: قَوْلُهُ: ” فَقَدْ لَغَوْتَ ” هَذَا يُفِيدُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ مَنْعَ الصَّلَاةِ، وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ; لِأَنَّهُ مَنْعٌ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ أَعْلَى مِنَ السُّنَّةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، فَمَنْعُهُ مِنْهَا أَوْلَى.
فَإِنْ قِيلَ: الْعِبَادَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّلَالَةِ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَالنَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَخْطُبُ فَقَالَ: ” أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ؟ ” قَالَ: لَا.
قَالَ: ” صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا “.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُعَارَضَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْهُ ; لِجَوَازِ كَوْنِهِ قَطَعَ الْخُطْبَةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِخَبَرِ أَنَسٍ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» ” وَأَمْسَكَ عَنِ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صِلَاتِهِ اهـ.
وَعِنْدِي الْحَمْلُ عَلَى أَنَّهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – قَطَعَ خُطْبَتَهُ مُسْتَبْعَدٌ، لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لِلْإِخْلَالِ بِالنَّظْمِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ، كَقِصَّةِ عُمَرَ مَعَ عُثْمَانَ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ اهـ.
فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ يَخْطُبُ أَيْ: يُرِيدُ أَنْ يَخْطُبَ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَأَمْسَكَ عَنِ الْخُطْبَةِ نَصًّا فِي قَطْعِ الْخُطْبَةِ ; لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ أَمْسَكَ عَنْ شُرُوعِهَا، نَعَمْ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِهِمَا حَيْثُ قَالَا: يُبَاحُ الْكَلَامُ حَتَّى يَشْرَعَ فِي الْخُطْبَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ يَجِبُ تَرْكُ صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَالْكَلَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – عَلِمَ أَنَّ عَلَى الدَّاخِلِ قَضَاءَ رَكْعَتِيِ الصُّبْحِ، فَأَمَرَهُ بِهِمَا رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ الْوَاجِبِ عِنْدَنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يَبْعُدُ حَمْلُهُ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ أَوِ الْمَنْسُوخِيَّةِ جَمْعًا لِلْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَا اعْتِيدَ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ أَنَّ شَخْصًا يَقْرَأُ هَذَا الْحَدِيثَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَذَانِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ، وَقَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْخُطْبَةِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً إِلَّا أَنَّهُ حَسَنٌ ; لِأَنَّ فِيهِ حَثَّ النَّاسِ عَلَى الْإِصْغَاءِ، وَالِاسْتِمَاعِ، وَعَدَمِ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لَمَّا أَرَادَ الْخُطْبَةَ أَمَرَ مَنْ يَسْتَنْصِتُ لَهُ النَّاسَ، فَسُنَّ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى هَذَا، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ، وَشَنَّعَ عَلَى فَاعِلِهِ، فَقَدْ غَفَلَ عَمَّا قَرَّرْتُهُ فَتَأَمَّلْ.
اهـ.
فَتَأَمَّلْنَا، فَوَجَدْنَا الْمُنَاقَضَةَ بَيْنَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً، وَبَيْنَ الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ، ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّهُ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحْسَنَةٍ، إِذْ قُعُودُ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ مُنْتَظِرًا فَرَاغَ كَلَامِ غَيْرِهِ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ شَرْعًا، وَوَضْعًا، وَطَبْعًا، وَأَمَّا أَمْرُهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – مَنْ يَسْتَنْصِتُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ إِنَّمَا كَانَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْمِنْبَرَ، فَالْقِيَاسُ فَاسِدٌ.
وَمِنْ قَبِيحِ أَفْعَالِهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّ الْخَطِيبَ الشَّافِعِيَّ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ يُسَلِّمُ بَعْدَ طُلُوعِهِ الْمِنْبَرَ، وَتَوَجُّهِهِ إِلَى النَّاسِ، وَلَا أَحَدَ يَرُدُّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَكُلُّ مَنْ يَقْرُبُهُ، وَيَسْمَعُ سَلَامَهُ، يَكُونُ عَاصِيًا بِتَرْكِ رَدِّهِ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ لَا يُتَصَوَّرُ ; لِأَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ عَقِيبَ سَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ يَشْرَعُونَ فِي الْأَذَانِ فَقُلْتُ لِخَطِيبٍ: إِمَّا أَنْ تَتْرُكَ هَذِهِ السُّنَّةَ لِئَلَّا تُوقِعَ النَّاسَ فِي تَرْكِ الْفَرْضِ، وَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَ الْمُؤَذِّنَ بِأَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ، ثُمَّ يُؤَذِّنَ.
فَقَالَ: هَذَا عَادَةٌ وَلَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهَا، وَمِنْ أَقْبَحِ أَفْعَالِ الْمُؤَذِّنِينَ حِينَئِذٍ رَفْعُ أَصْوَاتِهِمْ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ، وَمِنْ قَبِيحِ فِعْلِ الْخَطِيبِ أَنَّهُ أَحْيَانًا يَتَّبِعُهُمْ، وَيَنْتَظِرُ سُكُوتَهُمْ، ثُمَّ يُبَالِغُونَ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ ذِكْرِ السَّلَاطِينِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِشَآمَةِ الْبِدْعَةِ، وَمُتَارَكَةِ السُّنَّةِ، وَمَنْشَؤُهَا تَذَلُّلُ الْعُلَمَاءِ لِلْأُمَرَاءِ، وَإِدْخَالُ أَسَامِيهِمْ فِي الْخُطْبَةِ مُتَوَسِّلِينَ إِلَى غَرَضِهِمُ الْفَاسِدِ بِذَكَرِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْخُطْبَةِ، إِلَى أَنَّ مُعَانَدِيهِمْ وَمُخَالِفِيهِمْ مِنَ الرَّافِضَةِ وَجَدُوا سَبِيلًا إِلَى الضَّلَالَةِ الزَّائِدَةِ، فَيَسُبُّونَ الصَّحَابَةَ – رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ – فَوْقَ مَنَابِرِهِمْ مَكَانَ مَدْحِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَهُمْ، وَهَذِهِ كُلُّهَا بِدَعٌ ; فَكُنْ مُنْكِرًا بِقَلْبِكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ، وَمَا أَحْسَنَ فِعْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَيْثُ جَعَلَ مَكَانَ سَبِّ أَهْلِ الْبَيْتِ الصَّادِرِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فَوْقَ الْمَنَابِرِ هَذِهِ الْآيَةَ الشَّرِيفَةَ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] فَهَذِهِ هِيَ الْبِدْعَةُ الْحَسَنَةُ، بَلِ السُّنَّةُ الْمُسْتَحْسَنَةُ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ حَسَنٌ.
وَالْمُرَادُ بِالْمُسْلِمِينَ زُبْدَتُهُمْ وَعُمْدَتُهُمْ، وَهُمُ الْعُلَمَاءُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، الْأَتْقِيَاءُ عَنِ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
ثُمَّ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْحَدِيثِ لِعُنْوَانِ الْبَابُ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْحَثُّ عَلَى التَّبْكِيرِ، حَتَّى لَا تُفُوتَهُ سُنَّةُ الْجُمُعَةِ، أَوْ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، أَوْ لَا يَحْتَاجَ إِلَى قَوْلِهِ: (أَفْسِحُوا) ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ وَجْهَ مُنَاسَبَتِهِ أَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ إِلَى الْكَلَامِ حَالَةَ الْخُطْبَةِ، فَبَيَّنَ لَهُ حُكْمَهُ، فَفِي غَايَةِ الْبُعْدِ إِذْ يَسْتَوِي فِي هَذَا الْحُكْمِ الْمُبَكِّرُ وَغَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

✩✩✩✩✩✩✩

healthy primal banner advert

1386 – وَعَنْ جَابِرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” «لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يُخَالِفُ إِلَى مَقْعَدِهِ، فَيَقْعُدَ فِيهِ، وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا» ” رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1386 – (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ” أَيْ: مِنْ مَقْعَدِهِ ” ثُمَّ يُخَالِفُ» “) بِالرَّفْعِ، وَقِيلَ بِالْجَزْمِ أَيْ: يَقْعُدُ وَيَذْهَبُ (” إِلَى مَقْعَدِهِ “) أَيْ: إِلَى مَوْضِعِ قُعُودِهِ (” فَيَقْعُدَ فِيهِ “) قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُخَالَفَةُ: أَنْ يُقِيمَ صَاحِبَهُ مِنْ مَقَامِهِ فَيُخَالِفَ فَيَنْتَهِيَ إِلَى مَقْعَدِهِ فَيَقْعُدَ فِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] وَفِيهِ إِدْمَاجٌ وَزَجْرٌ لِلْمُتَكَبِّرِينَ أَيْ: كَيْفَ تُقِيمُ أَخَاكَ الْمُسْلِمَ وَهُوَ مِثْلُكُ فِي الدِّينِ، وَلَا مَزِيَّةَ لَكَ عَلَيْهِ؟ ! زَادَ ابْنُ حَجَرٍ: فَيَحْرُمُ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَا الْجَالِسِ رِضًا حَقِيقِيًّا، لَا عَنْ خَوْفٍ أَوْ حَيَاءٍ، وَإِنْ بَعَثَهُ لِيَأْخُذَ لَهُ مَقْعَدًا قَبْلَ الزَّحْمَةِ ; لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ وَنَحْوَهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِالْبَعْثِ، بَلِ الْمَبْعُوثُ أَحَقُّ بِمَا جَلَسَ فِيهِ لِسَبْقِهِ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ نَاوِيًا أَنَّهُ لِمُرْسِلِهِ، بَلْ يُكْرَهُ الْقِيَامُ لَهُ سُنَّةً، وَإِيثَارُهُ بِهِ إِنْ كَانَ مَنْ يَقُومُ لَهُ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْفَضِيلَةِ لِكَوْنِهِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، فَيَتَنَحَّى لَهُ أَيِ الثَّانِي ; لِأَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ بِلَا عُذْرٍ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9] فَالْمُرَادُ بِهِ الْإِيثَارُ فِي حُظُوظِ النَّفْسِ، كَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ: {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] اهـ.
وَمِنَ اللَّطَائِفِ أَنَّ خَدَمَةَ بَعْضِ الظَّلَمَةِ دَخَلُوا جَامِعًا، فَأَقَامُوا الْفُقَرَاءَ وَبَعَثُوا سَجَاجِيدَهُمْ، وَدَفَعُوهُمْ، وَضَرَبُوهُمْ، فَقِيلَ لِعَارِفٍ هُنَاكَ: أَمَا تَرَى يَا مَوْلَانَا ظُلْمَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَذَا حَالُ عِبَادَتِهِمْ، فَقِسْ حَالَ ظُلْمِهِمْ وَمَعْصِيَتِهِمْ.
(” وَلَكِنْ يَقُولُ “) أَيْ: أَحَدُكُمْ لِلْقَاعِدِينَ (” أَفْسِحُوا “) : وَفِي رِوَايَةٍ: تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا فَإِنْ زَادَ: رَحِمَكُمُ اللَّهُ، أَوْ يُفْسِحِ اللَّهُ لَكُمْ، كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ آيَتُهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة: 11] ، لَكِنْ هَذَا إِذَا كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِلتَّوَسُّعِ وَإِلَّا فَلَا يُضَيِّقْ عَلَى أَحَدٍ، بَلْ يُصَلِّي وَلَوْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَجْهُ مُنَاسَبَتِهِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلْحَثِّ عَلَى التَّبْكِيرِ، لِئَلَّا يَقَعَ فِيمَا يَجِبُ عَنْهُ التَّحْذِيرُ مِنْ قِيَامِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَمِنَ الْكَلَامِ وَلَوْ بِقَوْلِهِ: {فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة: 11] .

✩✩✩✩✩✩✩

Multi-Level Affiliate Program Affiliate Program

**********
الْفَصْلُ الثَّانِي
**********
1387 – عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا» “.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

**********
الْفَصْلُ الثَّانِي
**********
.
1387 – (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ “) : وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: وَاسْتَنَّ أَيِ اسْتَاكَ (” وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ “) قَالَ الطِّيبِيُّ: يُرِيدُ الثِّيَابَ الْبِيضَ اهـ.
يَعْنِي أَفْضَلَهَا – مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ -، الْبِيضَ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: ” «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ ; فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» ” وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ.
وَزَادَ الْخَطَّابِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: الْجُدُدَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَإِنْ فَقَدَ الْبِيضَ فَمَا صُبِغَ قَبْلَ النَّسْجِ وَأَوْلَاهُ الْأَبْرَادُ ; لِأَنَّهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – كَانَ لَهُ بُرْدٌ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ، أَمَّا مَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ فَيُكْرَهُ لُبْسُهُ اهـ.
وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا صُبِغَ حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً ; فَإِنَّهُمَا مَكْرُوهَتَانِ عِنْدَنَا، لَكِنْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُصْبَغَا قَبْلَ النَّسْجِ أَوْ بَعْدَهُ، (” وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ “) أَيْ: إِنْ تَيَسَّرَ لَهُ تَحْصِيلُهُ، بِأَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ أَوْ عِنْدَ امْرَأَتِهِ، وَلَا يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِهِ ; إِذْ فِي الطَّلَبِ ذُلٌّ فِي التَّحْقِيقِ، وَلَوْ: أَيْنَ الطَّرِيقُ؟ .
(” ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ “) : بِأَنْ بَكَّرَ، وَقَعَدَ حَيْثُ انْتَهَى إِلَيْهِ الْمَجْلِسُ، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ التَّقَدُّمَ مَعَ التَّأَخُّرِ فَقَدْ تَعَدَّى حَدَّ التَّأَثُّرِ.
(” ثُمَّ صَلَّى “) : أَيْ مِنَ الْعِبَادَةِ (” مَا كَتَبَ اللَّهُ “) أَيْ: أَدَّى مَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ (” لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ “) أَيْ: ظَهَرَ (” إِمَامُهُ “) : بِطُلُوعِ الْمِنْبَرِ (” حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ “) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَانَ حِكْمَةً ذِكْرُهُ طَلَبَ الْإِنْصَاتِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ كَرَاهَةُ الْكَلَامِ عِنْدَنَا وَحُرْمَتُهُ عِنْدَ غَيْرِنَا تَنْتَهِي بِفَرَاغِ الْخُطْبَةِ.
(” كَانَتْ “) أَيْ: فَعْلَتُهُ الْمَذْكُورَةُ (” كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا “) أَيْ: لِمَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الذُّنُوبِ بَيْنَ سَاعَةِ صَلَاتِهِ هَذِهِ (” وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ “) ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ أَيْ: صَلَاتِهَا (” الَّتِي قَبْلَهَا “) .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْ: بِهَذَا اللَّفْظِ قَالَ: وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيَقُولُ: إِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ حَسَنَةٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ بِمَعْنَاهُ سَبَقَ بَعْضُهَا، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ التَّصْحِيحَ وَنَحْوَهُ مَا يَكُونُ إِلَّا بِاعْتِبَارِ إِسْنَادِ الْحَدِيثِ، لَا لِكَوْنِهِ جَاءَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي أُصُولِ الْحَدِيثِ، نَعَمْ يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا: أَنَّهُ حَسَنٌ لِذَاتِهِ، صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا حِينَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَنْصَرِفُ إِلَّا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ بِحَسَبِ دَرَجَةِ إِسْنَادِهِ وَصِفَاتِهِ.

✩✩✩✩✩✩✩

Develop Your Financial IQ specific

1388 – وَعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ، وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ: أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» “.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

1388 – (وَعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ غَسَّلَ “) : بِالتَّشْدِيدِ وَيُخَفَّفُ أَيْ: ثِيَابَهُ، (” يَوْمَ الْجُمُعَةِ “) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: رُوِيَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، فَإِنْ شُدِّدَ فَمَعْنَاهُ: حَمَلَ غَيْرَهُ عَلَى الْغُسْلِ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ وَهِلَالٌ، وَهُمَا مِنَ التَّابِعِينَ كَأَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ فِيهِ غَضَّةً لِلْبَصَرِ، وَصِيَانَةً لِلنَّفْسِ عَنِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَمْنَعُهُ مِنَ التَّوَجُّهِ إِلَى اللَّهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقِيلَ: التَّشْدِيدُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ دُونَ التَّعْدِيَةِ، كَمَا فِي قَطَّعَ وَكَسَّرَ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ لَهُمْ لِمَمٌ وَشُعُورٌ، وَفِي غَسْلِهَا كُلْفَةٌ، فَأَفْرَدَ ذِكْرَ غَسْلِ الرَّأْسِ لِذَلِكَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَكْحُولٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَإِنْ خُفِّفَ فَمَعْنَاهُ: إِمَّا التَّأْكِيدُ، وَإِمَّا غَسْلُ الرَّأْسِ أَوَّلًا بِمِثْلِ الْخِطْمِيِّ، ثُمَّ الِاغْتِسَالُ لِلْجُمُعَةِ.
(” وَاغْتَسَلَ “) أَيْ: تَغَسَّلَ بِنَفْسِهِ، وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ جَمَالِ الدِّينِ، قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: غَسَّلَ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ كَثِيرٌ: إِنَّهُ الْمُجَامَعَةُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ ; لِأَنَّهُ مَجْمَعُ غَضِّ الطَّرْفِ فِي الطَّرِيقِ، يُقَالُ: غَسَّلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ إِذَا جَامَعَهَا، قِيلَ بِالتَّشْدِيدِ مَعْنَاهُ اغْتَسَلَ بَعْدَ الْجِمَاعِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ، فَكُرِّرَ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَقِيلَ: غَسَّلَ بَالَغَ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ سِبَاغًا وَتَثْلِيثًا، وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى كَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ.
قَالَ: (” وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ “) ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي غَسَلَ بِالتَّخْفِيفِ، وَحِينَئِذٍ فَاغْتَسَلَ لَا يَخْلُو مِنَ الزِّيَادَةِ، كَكَسَبَ وَاكْتَسَبَ، فَأَمَّا أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى الْوُضُوءِ، أَوِ الْأَوَّلُ عَلَى غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَالثَّانِي عَلَى غَسْلِ رَأْسِهِ بِالْخِطْمِيِّ وَنَحْوِهِ ; لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَكُونُ نَظَافَتُهُ أَبْلَغَ اهـ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَوَّلَ يُحْمَلُ عَلَى غَسْلِ الرَّأْسِ، وَالَثَانِي عَلَى الِاغْتِسَالِ لِلْجُمُعَةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَذْهَبُ إِلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى التَّخْفِيفِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمُخْتَارُ فِي غَسَلَ مَا اخْتَارَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ غَسَلَ رَأْسَهَ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ: وَمَنْ غَسَلَ رَأَسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالْبَيْهَقِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ مَكْحُولٍ وَغَيْرِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ بَيْنَ مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ السَّيِّدُ: وَقَوْلُهُ بَكَّرَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: أَتَى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَكُلُّ مَنْ أَسْرَعَ فِي شَيْءٍ فَقَدْ بَكَّرَ إِلَيْهِ أَيْ: فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ ; لِقَوْلِهِ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ” «لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى سُنَّتِي مَا بَكَّرُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ» “.
قَالَهُ الطِّيبِيُّ: وَابْتَكَرَ مَعْنَاهُ: أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ، وَأَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ بَاكُورَتُهُ، وَابْتَكَرَ إِذَا أَتَى بَاكُورَةَ الْفَاكِهَةِ.

✩✩✩✩✩✩✩

قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: بَكَّرَ: تَصَدَّقَ قَبْلَ خُرُوجِهِ، يَتَأَوَّلُ عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: ” «بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ ; فَإِنَّ الْبَلَاءَ لَا يَتَخَطَّاهَا» “، وَتَابَعَهُ الْخَطَّابِيُّ.
وَأَرَى نَقْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ ; لِمُطَابَقَتِهِ أُصُولَ اللُّغَةِ، وَيَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ تَنْسِيقُ الْكَلَامِ ; فَإِنَّهُ حَثَّ عَلَى التَّبْكِيرِ، ثُمَّ الِابْتِكَارِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَغْدُو إِلَى الْمَسْجِدِ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ ثَانِيًا.
اهـ كَلَامُ التُّورْبَشْتِيُّ.
قُلْتُ: دَعْوَى شَهَادَةِ تَنْسِيقِ الْكَلَامِ لِصِحَّةِ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ مِنْهُ مَمْنُوعٌ، بَلْ هُوَ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ; فَإِنَّهُ حَثَّ عَلَى التَّبْكِيرِ (” وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ “) وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى مُبَاكَرَةِ الصَّدَقَةِ فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنِ النَّسَقِ، وَقَوْلُ التُّورْبَشْتِيِّ: لِمُطَابَقَتِهِ أُصُولَ اللُّغَةِ، أَفَادَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِمَوَادِّ اللُّغَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَادَّةَ بَكَّرَ لَمْ تَجِئْ بِمَعْنَى تَصَدَّقَ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ بِحَسَبِ اللَّفْظِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَقْوِيَةٌ لِأَصْلِ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ فَتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ خَطَلٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: بَكَرَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ: خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بَاكِرًا فَمُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ، وَلِكُتُبِ اللُّغَةِ، فَفِي الْقَامُوسِ بَكَرَ عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ وَفِيهِ بُكُورًا، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَأَبْكَرَ وَبَاكَرَهُ: أَتَاهُ بُكْرَةً اهـ.
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ بَكَرَ بِالتَّخْفِيفِ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا بِإِحْدَى حُرُوفِ الْجَرِّ الْمَذْكُورَةِ، نَعَمْ قِيلَ بَكَّرَ مُبَالَغَةُ بَكَرَ بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْبُكُورِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَأَمَّا مَا قِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى، جُمِعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا فَهُوَ اسْتِرْوَاحٌ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ: ” وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ “، فَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى، جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَرْكَبْ أَفَادَ دَفْعَ تَوَهُّمِ حَمْلِ الْمَشْيِ عَلَى الْمُضِيِّ وَلَوْ رَاكِبًا، وَنَفْيَ احْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِالْمَشْيِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوَّلًا، ثُمَّ التَّصْدِيقِ ثَانِيًا، ثُمَّ بِالْمَشْيِ وَالدُّنُوِّ مِنَ الْإِمَامِ.
تَمَّ كَلَامِهِ.
أَقُولُ: هَذَا تَزْيِيفٌ ضَعِيفٌ ; فَإِنَّ الْمُرَادَ بِنَسَقِ الْكَلَامِ تَتَابُعُهُ مِنَ السِّبَاقِ وَاللِّحَاقِ، وَتَنَاسُبُهُ مِنْ مَعْنَى الْوِفَاقِ فَمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَغَسَّلَ وَاغْتَسَلَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ مِنَ التَّأْكِيدِ الْحَقِيقِيِّ، أَوِ التَّغَايُرِ الِاعْتِبَارِيِّ، وَكَذَلِكَ بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: (” وَدَنَا “) أَيْ: قَرُبَ (” مِنَ الْإِمَامِ “) أَيِ: الْخَطِيبِ (” وَاسْتَمَعَ “) أَيْ: مَا يُلْقِي إِلَيْهِ مِنَ الْكَلَامِ (” وَلَمْ يَلْغُ “) : بِضَمِّ الْغَيْنِ أَيْ: بِالْكَلَامِ مَعَ الْأَنَامِ، وَبِالْفِعْلِ الْعَبَثُ مِنْ أَفْعَالِ الْعَوَامِّ، (” كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ “) : بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتُضَمُّ (” عَمَلُ سَنَةٍ “) أَيْ: ثَوَابُ أَعْمَالِهَا (” أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا “) : بَدَلٌ مِنْ: ” عَمَلُ سَنَةٍ ” (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ) .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، نَقَلَهُ مِيرَكُ.
(وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) قَالَ مِيرَكُ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: إِنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: لَمْ نَسْمَعْ مِنَ الشَّرِيعَةِ حَدِيثًا صَحِيحًا مُشْتَمِلًا عَلَى مِثْلِ هَذَا الثَّوَابِ أَيْ: فَيَتَأَكَّدَ الْعَمَلُ لِيُنَالَ الْأَمَلُ.

✩✩✩✩✩✩✩

1389 – وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مَهْنَتِهِ» “.
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

healthy primal banner advert

1389 – (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَا عَلَى أَحَدِكُمْ “) قِيلَ: ” مَا ” مَوْصُولَةٌ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: ” مَا ” بِمَعْنَى لَيْسَ، وَاسْمُهُ مَحْذُوفٌ، وَعَلَى أَحَدِكُمْ خَبَرُهُ، وَقَوْلُهُ: (” إِنْ وَجَدَ “) أَيْ: سَعَةً يَقْدِرُ بِهَا عَلَى تَحْصِيلِ زَائِدٍ عَلَى مَلْبُوسِ مَهْنَتِهِ، وَهَذِهِ شَرْطِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَقَوْلُهُ: (” أَنْ يَتَّخِذَ “) : مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْمِ الْمَحْذُوفِ، مَعْمُولٌ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ (عَلَى) بِالْمَحْذُوفِ، وَالْخَبَرُ: أَنْ يَتَّخِذَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: 61] إِلَى قَوْلِهِ: {أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: 61] ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ حَرَجٌ أَيْ: نَقْصٌ يُخِلُّ بِزُهْدِهِ فِي أَنْ يَتَّخِذَ (” ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ “) أَيْ: يَلْبَسُهُمَا فِيهِ، وَفِي أَمْثَالِهِ مِنَ الْعِيدِ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شِيَمِ الْمُتَّقِينَ لَوْلَا تَعْظِيمُ الْجُمُعَةِ، وَمُرَاعَاةُ شِعَارِ الْإِسْلَامِ، (” سِوَى ثَوْبَيْ مَهْنَتِهِ “) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُكْسَرُ، أَيْ: بِذْلَتِهِ وَخِدْمَتِهِ، أَيْ: غَيْرَ الثَّوْبَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعَهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ فِي الْفَائِقِ: رُوِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، وَالْكَسْرُ عِنْدَ الْإِثْبَاتِ خَطَأٌ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: بِالْفَتْحِ الْخِدْمَةُ، وَلَا يُقَالُ بِالْكَسْرِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ لَوْ جِيءَ بِالْكَسْرِ أَنْ يَكُونَ كَالْجِلْسَةِ وَالْخِدْمَةِ، إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى فَعْلَةٍ يُقَالُ: مَهَنْتُ الْقَوْمَ أَمْهَنُهُمْ أَيْ: أَبْتَذِلُهُمْ فِي الْخِدْمَةِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَاقْتَصَرَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الْفَتْحِ أَيْضًا، لَكِنْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْمِهْنَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَالتَّحْرِيكِ، وَكَكَلِمَةٍ، الْحَذْقُ بِالْخِدْمَةِ وَالْعَمَلُ، مَهَنَهُ كَمَنَعَهُ وَنَصَرَهُ، مَهْنًا وَمَهْنَةً وَيُكْسَرُ.
(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ لَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ.

✩✩✩✩✩✩✩

1390 – وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.

Transform Your Home Into a Cash Machine

1390 – (وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) أَيِ: الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ قَالَهُ الطِّيبِيُّ.

✩✩✩✩✩✩✩

1391 – وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «احْضُرُوا الذِّكْرَ، وَادْنُوا مِنَ الْإِمَامِ ; فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ دَخَلَهَا» “.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

1391 – (وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ:) بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” احْضُرُوا الذِّكْرَ “) أَيِ: الْخُطْبَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَتَذْكِيرِ الْأَنَامِ، (” وَادْنُوا “) أَيِ: اقْرُبُوا قَدْرَ مَا أَمْكَنَ (” مِنَ الْإِمَامِ “) يَعْنِي: إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ارْتِكَابُ الْحَرَامِ، (” فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ “) أَيْ: عَنْ مَوَاطِنِ الْخَيْرَاتِ بِلَا عُذْرٍ (” حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الْجَنَّةِ “) أَيْ: فِي دُخُولِهَا أَوْ فِي دَرَجَاتِهَا (” وَإِنْ دَخَلَهَا “) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَتَبَاعَدُ عَنِ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَعَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ مَقَامُ الْمُقَرَّبِينَ، حَتَّى يُؤَخَّرَ إِلَى آخِرِ صَفِّ الْمُتَسَفِّلِينَ، وَفِيهِ تَوْهِينُ أَمْرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَسْفِيهُ رَأْيِهِمْ، حَيْثُ وَضَعُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَعَالِي الْأُمُورِ إِلَى سَفْسَافِهَا، وَفِي قَوْلِهِ: وَإِنْ دَخَلَهَا تَعْرِيضٌ بِأَنَّ الدَّاخِلَ قَنِعَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَمِنَ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ، وَالْمَقَامَاتِ الرَّفِيعَةِ، بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ.
(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: فِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، نَقَلَهُ مِيرَكُ.

You Can Do It

✩✩✩✩✩✩✩

1392 – وَعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ; اتَّخَذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ» “.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

1392 – (وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: هَذَا سَهْوٌ ; لِأَنَّ أَنَسًا وَالِدَ مُعَاذٍ لَيْسَ لَهُ رِوَايَةٌ وَلَا صُحْبَةٌ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ: عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ كَمَا فِي التِّرْمِذِيَّ، أَوْ بِدُونِ قَوْلِهِ: عَنْ أَبِيهِ، وَاللَّهُ الْعَاصِمُ.
(” مَنْ تَخَطَّى “) أَيْ: تَجَاوَزَ (” رِقَابَ النَّاسِ “) قَالَ الْقَاضِي: أَيْ بِالْخَطْوِ عَلَيْهَا (” يَوْمَ الْجُمُعَةِ “) : خُصَّ لِلتَّعْظِيمِ (” اتَّخَذَ “) : بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَقِيلَ: لِلْمَفْعُولِ (” جِسْرًا “) أَيْ: مَعْبَرًا مُمْتَدًّا (” إِلَى جَهَنَّمَ “) قَالَ الْقَاضِي: فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ: أَنَّ صُنْعَهُ هَذَا يُؤَدِّيهِ إِلَى جَهَنَّمَ ; لِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ النَّاسِ وَاحْتِقَارِهِمْ، فَكَأَنَّهُ جِسْرٌ اتَّخَذَهُ إِلَيْهَا: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرْنَا غَيْرُ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ ذِكْرًا طَوِيلًا يُسَمَّى خُطْبَةً أَوْ ذِكْرًا لَا يُسَمَّى خُطْبَةً، فَكَانَ الشَّرْطُ الذِّكْرَ الْأَعَمَّ بِالْقَاطِعِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَأْثُورَ عَنْهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ أَيْ: تَأَخَّرْتَ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَعُمَرُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – يَخْطُبُ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قُدَّامَ الصَّفِّ فُرْجَةٌ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُتَخَطَّى عَلَيْهِ رَضِيَ لَهُ.

✩✩✩✩✩✩✩

1393 – (وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «نَهَى عَنِ الْحُبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» “.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ) .

1393 – (وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ) ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَعَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهَى عَنِ الْحُبْوَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى الْكَسْرِ، وَفِي النِّهَايَةِ بِكَسْرِهَا وَضَمِّهَا اسْمٌ مِنَ الِاحْتِبَاءِ، وَهُوَ ضَمُّ السَّاقِ إِلَى الْبَطْنِ بِثَوْبٍ أَوْ بِالْيَدَيْنِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ ; لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْمَ، فَلَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ، وَيُعَرِّضُ طِهَارَتَهُ لِلِانْتِقَاضِ اهـ.
يَعْنِي أَنَّهُ رُبَّمَا يَقَعُ عَلَى الْجَنْبِ فَتُنْقَضُ طَهَارَتُهُ، فَيَمْنَعُهُ الِاشْتِغَالُ بِالطَّهَارَةِ عَنِ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهَا جِلْسَةُ الْمُتَكَبِّرِينَ.
هَذَا وَالْمَفْهُومُ مِنَ الْقَامُوسِ: أَنَّ الْحُبْوَةَ بِالْوَاوِ مُثَلَّثَةُ الْحَاءِ اسْمٌ مِنْ حَبَاهُ أَعْطَاهُ، وَأَمَّا الِاسْمُ مِنَ الِاحْتِبَاءِ فَهُوَ الْحِبْيَةُ بِالْكَسْرِ، فَأَشَارَ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَوَادِّهِمَا بِأَنَّ الْأُولَى وَاوِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةَ يَائِيَّةٌ، (يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) فَهُوَ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ، وَالْأَوَّلُ وَاقِعِيٌّ اتِّفَاقِيُّ، أَوْ تَأْكِيدِيُّ، (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ) ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، فَاعْتِرَاضُ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ بِأَنَّ فِي مُسْنَدِ التِّرْمِذِيَّ ضَعِيفَيْنِ فَلَا يَتِمُّ حُسْنُهُ لَا يَتِمُّ اعْتِرَاضُهُ.

Develop Your Financial IQ specific

✩✩✩✩✩✩✩

1394 – وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ” «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ» “.
(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

1394 – (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا نَعَسَ “) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ) أَيْ: إِلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ سَوَاءٌ رَجَعَ إِلَيْهِ أَمْ لَا ; لِأَنَّ بِالتَّحَوُّلِ يَرْتَفِعُ الثِّقَلُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ بِلَفْظِ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ; فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

Multi-Level Affiliate Program Affiliate Program

✩✩✩✩✩✩✩

1395 – (عَنْ نَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ، قِيلَ لِنَافِعٍ: فِي الْجُمُعَةِ.
قَالَ: فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا» ) .
(وَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

1395 – (عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ) أَيْ: مِنْ مَكَانِ قُعُودِ الرَّجُلِ الثَّانِي أَوِ الرَّجُلِ الْأَوَّلِ بِأَنْ خَلَّا الْمَكَانَ وَقَعَدَ فِيهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ رَجَعَ وَأَرَادَ إِقَامَتَهُ (وَيَجْلِسَ) بِالنَّصْبِ وَيُرْفَعُ.
(فِيهِ) أَيْ: فِي مَقْعَدِهِ.
قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ بِالنَّصْبِ، وَلَوْ صَحَّ الرِّوَايَةُ بِالرَّفْعِ لَكَانَ الْمَجْمُوعُ مَنْهِيًّا.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى ” يُقِيمَ ” فَكُلٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى حِدَتِهِ، وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ فَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْجَمْعِ حَتَّى لَوْ أَقَامَهُ وَلَمْ يَقْعُدْ لَمْ يَرْتَكِبِ النَّهْيَ، وَالْوَجْهُ هُوَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى، وَمَا أَفَادَتْهُ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْإِيذَاءُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلٍّ عَلَى الِانْفِرَادِ ; فَحُرِّمَ لِأَنَّ مَنْ سَبَقَ إِلَى الْمُبَاحِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ” مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ غَيْرُهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ” اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ مَحَطَّ الْإِيذَاءِ إِنَّمَا هُوَ الْإِقَامَةُ مِنْهُ لَا الْجُلُوسُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَقَامَهُ وَلَمْ يَجْلِسْ فَهُوَ مَنْهِيٌّ، وَإِذَا قَامَ بِنَفْسِهِ فَجَلَسَ فِيهِ أَحَدٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ وَلَمْ يَجْلِسْ وَجَلَسَ غَيْرُهُ مَكَانَهُ، فَلَهُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ ; فَذِكْرُ الْجُلُوسِ لِلسَّبَبِ الْعَادِيِّ، وَفِي الْحَدِيثِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ أَقَامَهُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ جَازَ، فَقَوْلُهُ: فَكُلٌّ مَنْهِيٌّ عَلَى حِدَتِهِ، غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى إِطْلَاقِهِ.
(قِيلَ لِنَافِعٍ: فِي الْجُمُعَةِ) أَيْ: هَذَا النَّهْيُ فِي الْجُمُعَةِ فَقَطْ.
(قَالَ: فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ) .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلِلرَّجُلِ بَعْثُ مَنْ يَحِيزُ لَهُ مَكَانًا مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَّا خَلْفَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَالرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَنَحْوِهِمَا، أَيْ: تَحْتَ الْمِيزَابِ، فَيَحْرُمُ فَرْشُ السَّجَّادَاتِ فِيهِ لِمَنْ جَاءَ وَوَجَدَ فِرَاشًا أَنْ يُنَحِّيَهُ وَيَجْلِسَ مَحَلَّهُ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ رَفْعِهِ بِيَدِهِ وَنَحْوِهَا لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ حِينَئِذٍ.
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

Multi-Level Affiliate Program Affiliate Program

✩✩✩✩✩✩✩

1396 – (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِلَغْوٍ فَذَلِكَ حَظُّهُ مِنْهَا، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِدُعَاءٍ فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا ; فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

1396 – (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ) أَيِ اتَّصَفُوا بِأَوْصَافٍ ثَلَاثَةٍ.
(فَرَجُلٌ) الْفَاءُ تَفْضِيلِيَّةٌ ; لِأَنَّ التَّقْسِيمَ حَاضِرٌ، فَإِنَّ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةٌ: فَمِنْ رَجُلٍ لَاغٍ مُؤْذٍ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، فَحَظُّهُ مِنَ الْحُضُورِ اللَّغْوُ وَالْأَذَى، وَمِنْ ثَانٍ طَالِبٍ حَظَّهُ غَيْرَ مُؤْذٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ بِكَرَمِهِ فَيَعْسِفَ مَطْلُوبَهُ، وَمِنْ ثَالِثٍ طَالِبٍ رِضَا اللَّهِ عَنْهُ، مُتَحَرٍّ احْتِرَامَ الْخَلْقِ فَهُوَ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: الْفَاءُ زَائِدَةٌ فَغَفْلَةٌ عَنِ الْفَائِدَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ كَوْنُهَا لِلتَّفْرِيجِ إِذِ التَّفْضِيلُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْإِجْمَالِ، فَمَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ فُرْقَةٍ بَيْنَ التَّفْرِيعِ وَالتَّفْصِيلِ (حَضَرَهَا بِلَغْوٍ) أَيْ حُضُورًا مُلْتَبِسًا بِكَلَامِ عَبَثٍ أَوْ فِعْلِ بَاطِلٍ حَالَ الْخُطْبَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ: يَلْغُو عَلَى الْمُضَارِعِ فَيَكُونُ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِمُطَابَقَتِهِ لِلْفِقْرَاتِ الْآتِيَةِ (فَذَلِكَ) أَيِ: اللَّغْوُ (حَظُّهُ) أَيْ: حَظُّ ذَلِكَ الرَّجُلِ (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ حُضُورِهَا.
قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ جَزَائِيَّةٌ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ ; لِكَوْنِهِ نَكِرَةً وُصِفَتْ بِجُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ لَا حَظَّ لَهُ كَامِلٌ ; لِأَنَّ اللَّغْوَ يَمْنَعُ كَمَالَ ثَوَابِ الْجُمُعَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّغْوِ مَا يَشْمَلُ التَّخَطِّيَ وَالْإِيذَاءَ، بِدَلِيلِ نَفْيِهِ عَنِ الثَّالِثِ أَيْ فَذَلِكَ الْأَذَى حَظُّهُ.
(وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِدُعَاءٍ) أَيْ: مُشْتَغِلًا بِهِ حَالَ الْخُطْبَةِ حَتَّى مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِ أَوْ كَمَالِهِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الثَّالِثِ بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ (فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ) أَيْ: مَدْعَاهُ لِسَعَةِ حِلْمِهِ وَكَرَمِهِ (وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ) : عِقَابًا عَلَى مَا أَسَاءَ بِهِ مِنِ اشْتِغَالِهِ بِالدُّعَاءِ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ ; فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا حَرَامٌ عِنْدَ غَيْرِنَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
(وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ) أَيْ: مُقْتَرِنًا بِسُكُوتٍ مَعَ اسْتِمَاعٍ (وَسُكُوتٍ) أَيْ: مُجَرَّدٍ، فَالْأَوَّلُ إِذَا كَانَ قَرِيبًا، وَالثَّانِي إِذَا كَانَ بَعِيدًا وَهُوَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْهُمَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْإِنْصَاتَ وَالسُّكُوتَ بِمَعْنًى، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ، وَمَحَلُّهُ إِذَا سَمِعَ الْخُطْبَةَ فَفِي النِّهَايَةِ الْإِنْصَاتُ أَنْ يَسْكُتَ سُكُوتَ مُسْتَمِعٍ، وَفِي الْقَامُوسِ أَنْصَتَ: سَكَتَ، وَأَنْصَتَ لَهُ: سَكَتَ لَهُ، وَاسْتَمَعَ لِحَدِيثِهِ وَأَنْصَتَهُ: أَسْكَتَهُ اهـ.
فَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُتَعَدِّي بِأَنَّهُ يُسْكِتُ النَّاسَ بِالْإِشَارَةِ ; فَإِنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنَ التَّأْمِيدِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِإِنْصَاتٍ لِلْخَطِيبِ، وَسُكُوتٍ عَنِ اللَّغْوِ (وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ) أَيْ: لَمْ يَتَجَاوَزْ عَنْهَا (وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا) أَيْ: بِنَوْعٍ آخَرَ مِنَ الْأَذَى كَالْإِقَامَةِ مِنْ مَكَانِهِ، أَوِ الْقُعُودِ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ، أَوْ عَلَى سَجَّادَتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، أَوْ بِنَحْوِ رَائِحَةِ ثُومٍ أَوْ بَصَلٍ (فَهِيَ) أَيْ: جُمُعَتُهُ الشَّامِلَةُ لِلْخُطْبَةِ، وَالصَّلَاةِ، وَالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ (كَفَّارَةٌ) أَيْ: لَهُ.
قَالَهُ الطِّيبِيُّ أَيْ: لِذُنُوبِهِ مِنْ حِينِ انْصِرَافِهِ (إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي) أَيْ: إِلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي (تَلِيهَا) أَيْ: تَقْرُبُهَا وَهِيَ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى مَا وَرَدَ مَنْصُوصًا (وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْجُمُعَةِ (وَذَلِكَ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ كَفَّارَةِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ مِنَ السَّبْعَةِ وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةٍ (بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ) أَيْ: بِسَبَبِ مُطَابَقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] فَإِنَّهُ لَمَّا قَامَ بِتَعْظِيمِ هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ جَاءَ بِحَسَنَةٍ تُكَفِّرُ ذَنْبَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَتَتَعَدَّى الْكَفَّارَةُ إِلَى الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ بِحُكْمِ أَقَلِّ التَّضَاعُفِ فِي الْحَسَنَةِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
قَالَ مِيرَكُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ.

Nikahdating Advert

✩✩✩✩✩✩✩

1397 – (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ” «مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ ; فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَالَّذِي يَقُولُ لَهُ: أَنْصِتْ.
لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ» “) .
(رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

1397 – (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) أَيْ: بِغَيْرِ مَشْرُوعٍ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، نَعَمْ جَوَّزَ أَحْمَدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الذِّكْرَ إِذَا كَانَ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ (وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) أَيْ: وَهُوَ يَعْلَمُ كُرْهَةَ الْكَلَامِ أَوْ حُرْمَتَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَهَذَا لِأَجْلِ قَوْلِهِ (فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ) أَيْ: صِفَتُهُ كَصِفَتِهِ، أَوْ مَثَلُهُ الْغَرِيبُ الشَّانِ كَمَثَلِ الْحِمَارِ (يَحْمِلُ) : صِفَةٌ أَوْ حَالٌ (أَسْفَارًا) أَيْ: كُتُبًا كِبَارًا مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: شَبَّهَ الْمُتَكَلِّمَ الْعَارِفَ بِأَنَّ التَّكَلُّمَ حَرَامٌ بِالْحِمَارِ الَّذِي يَحْمِلُ أَسْفَارًا مِنَ الْحِكَمِ وَهُوَ يَمْشِي وَلَا يَدْرِي مَا عَلَيْهِ (وَالَّذِي يَقُولُ) أَيْ بِالْعِبَارَةِ لَا بِالْإِشَارَةِ (لَهُ) أَيْ: لِهَذَا الْمُشَبَّهِ بِالْحِمَارِ (أَنْصِتْ) أَيِ: اسْكُتْ مَعَ أَنَّهُ أَنْكَرُ الْأَصْوَاتِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ كَانَ قَوْلُهُ لَهُ ذَلِكَ مَانِعًا لِغَيْرِهِ مِنَ الِاسْتِمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَالْجَهْرِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ، سَمِعَ الْخَطِيبَ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا، وَخَبَرُ الْبَيْهَقِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حِينَئِذٍ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَوْمَأَ النَّاسُ إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ فَلَمْ يَقْبَلْ، فَأَعَادَ الْكَلَامَ فَأَعَادُوا، ثُمَّ أَعَادَ فَأَعَادُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَا أَعْدَدْتَ لَهَا.
قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ: إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ فَمَدْفُوعُ الدَّلَالَةِ عَلَى مَقْصُودِهِ فَإِنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَكَلَّمَ قَبْلَ جُلُوسِهِ، أَوْ قَبْلَ شُرُوعِهِ، أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مَعَ احْتِمَالِ نَسْخِهِ أَوْ خُصُوصِيَّتِهِ أَوْ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالْحُكْمِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَنْعُ الْأَصْحَابِ بِالْإِشَارَةِ وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ جَائِزًا لَمَا مَنَعُوهُ، وَحَمْلُ اللَّغْوِ فِي الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى تَرْكِ الْأَدَبِ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ ; فَإِنَّهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – لَا يُشَبِّهُ مَنْ تَرَكَ الْأَدَبَ بِالْحِمَارِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الأعراف: 204] فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا الْمُرَادُ بِهِ الْخُطْبَةُ أَوْ شَامِلٌ لَهَا (لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ) أَيْ: كَامِلَةٌ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ وَمَنْ أَسْكَتَهُ فَقَدْ لَغَا، فَلَيْسَ لَهُ فَضِيلَةُ الْجُمُعَةِ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَنْ لَغَا كَانَتْ صَلَاتُهُ ظُهْرًا، وَحُرِمَ فَضْلَ الْجُمُعَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أُبَيٍّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – لِمَنْ سَأَلَهُ وَالنَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَخْطُبُ وَقَدْ قَرَأَ سُورَةَ بَرَاءَةَ – مَتَى أُنْزِلَتْ؟ فَلَمْ يُكَلِّمْهُ، فَلَمَّا صَلَّوْا قَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي؟ قَالَ إِنَّكَ لَمْ تَشْهَدْ مَعَنَا الْجُمُعَةَ، فَجَاءَ لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ: صَدَقَ أُبَيٌّ.
اهـ.
وَهُوَ يَصْلُحُ دَلِيلًا لِنَسْخِ جَوَازِ الْكَلَامِ السَّابِقِ ; فَإِنَّ سُورَةَ بَرَاءَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، نَعَمْ، الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ شُهُودِهَا نَفْيٌ لِكَمَالِ ثَوَابِهَا لَا لِأَصْلِهُ، وَإِلَّا لَأَمَرَ بِإِعَادَتِهَا.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا تَبْطُلُ الْجُمُعَةُ بِالْكَلَامِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِحُرْمَتِهِ، وَخَبَرُ: فَلَا جُمُعَةَ لَهُ أَيْ: كَامِلَةٌ.
(رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
قَالَ مِيرَكُ: وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ: وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.

healthy primal banner advert

✩✩✩✩✩✩✩

1398 – (وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ مُرْسَلًا قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي جُمُعَةٍ مِنَ الْجُمَعِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا فَاغْتَسِلُوا، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ» ) .
(رَوَاهُ مَالِكٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ) .

1398 – (وَعَنْ عُبَيْدِ) بِالتَّصْغِيرِ (ابْنِ السَّبَّاقِ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: حِجَازِيٌّ يُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ (مُرْسَلًا) أَيْ بِحَذْفِ الصَّحَابِيِّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي جُمُعَةٍ مِنَ الْجُمَعِ) بِضَمِّ جِيمٍ، وَفَتْحِ مِيمٍ، جَمْعُ جُمُعَةٍ (يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ) ، أَيْ: جَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ (إِنَّ هَذَا) أَيِ: الْيَوْمَ (يَوْمٌ) أَيْ: عَظِيمٌ (جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا) أَيْ: يَوْمَ سُرُورٍ تَزْيِينٍ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَالْأَوْلِيَاءِ، وَالصَّالِحِينَ (فَاغْتَسِلُوا) أَيْ: بَالِغُوا فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ (وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ) أَيْ: مِنْ طِيبِ الرِّجَالِ، وَهُوَ مَا لَيْسَ لَهُ لَوْنٌ، وَلَهُ رَائِحَةٌ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَكِنَّ أَفْضَلَهُ الْمِسْكُ الْمَخْلُوطُ بِمَاءِ الْوَرْدِ ; لِأَنَّ الْمِسْكَ هُوَ الَّذِي كَانَ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – يَتَطَيَّبُ بِهِ غَالِبًا، وَكَانَ يُكْثِرُ مِنْهُ بِحَيْثُ لَوْ أُخِذَ لَكَانَ رَأْسَ مَالٍ (فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ) وَإِنْ كَانَ تَارِكًا لِلَّذَّاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالشَّهَوَاتِ النَّفْسِيَّةِ، وَمُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ ; فَإِنَّ الطِّيبَ مِنَ السُّنَنِ النَّبَوِيَّةِ، وَالثَّوَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصْحِيحِ النِّيَّةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إِنَّمَا يُقَالُ فِيمَا فِيهِ مَظِنَّةُ حَرَجٍ، وَمَسُّ الطِّيبِ وَلَا سِيَّمَا يَوْمِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَمَا مَعْنَاهُ؟ قُلْتُ: لَعَلَّ رِجَالًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَوَهَّمُوا أَنَّ مَسَّ الطِّيبِ مِنْ عَادَةِ النِّسَاءِ ; فَنُفِيَ الْحَرَجُ كَمَا هُوَ الْوَجْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] ، مَعَ أَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ أَوْ رُكْنٌ (وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ) أَيِ: الْزَمُوا السِّوَاكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، خُصُوصًا عِنْدَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ تَكْمِيلًا لِلطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ.

Multi-Level Affiliate Program Affiliate Program

✩✩✩✩✩✩✩

1399 – (وَهُوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُتَّصِلًا) .

1399 – (وَهُوَ) أَيْ: عُبَيْدٌ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُتَّصِلًا) قَالَ مِيرَكُ: لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ “) .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

✩✩✩✩✩✩✩

1400 – (وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلْيَمَسَّ أَحَدُهُمْ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالْمَاءُ لَهُ طِيبٌ» “.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

1400 – (وَعَنِ الْبَرَاءِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ “) قَالَ الطِّيبِيُّ: حَقًّا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ أَيْ: حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا، فَحُذِفَ الْفِعْلُ، وَأُقِيمَ الْمَصْدَرُ مُقَامَهُ اخْتِصَارًا، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُؤَخَّرَ بَعْدَ الْكَلَامِ تَوْكِيدًا لَهُ، فَقَدَّمَهُ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: حَقًّا نُصِبَ بَدَلًا عَنِ اللَّفْظِ بِفِعْلِهِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ، ثُمَّ قَوْلُهُ: (أَنْ يَغْتَسِلُوا) فَاعِلٌ، وَقَوْلُهُ: (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) ظَرْفٌ لِلِاغْتِسَالِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْفَجْرِ ; فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ خِلَافًا لَلْأَوْزَاعِيِّ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْغُسْلِ قَبْلَ الْيَوْمِ ; فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ النَّظَافَةُ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَلِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: الصَّحِيحُ أَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ ; بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوِ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُجْزِئُ إِجْمَاعًا، وَقَوْلُهُ: وَلَا يُبْطِلُهُ طُرُوُّ حَدَثٍ إِجْمَاعًا؛ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحَ، ثُمَّ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالَّذِي قَبْلَهُ مِنَ الْأَمْرِ بِالِاغْتِسَالِ، وَحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ، يُؤَيِّدُ مَذْهَبَ مَالِكٍ مَعَ صَرِيحِ قَوْلِهِ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ.
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، لَكِنْ حَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَقَالُوا بِكَرَاهَةِ تَرْكِهَا لِلْخَبَرِ الْحَسَنِ، بَلْ صَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا أَيْ: فَبِالرُّخْصَةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ.
وَكَوْنُ حَدِيثِ الْوُجُوبِ أَصَحَّ لَا يَمْنَعُ حَمْلَهُ عَلَى تَأْكِيدِ النَّدْبِ بِقَرِينِةِ هَذَا الْحَدِيثِ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَإِنْ لَمْ تَتَقَاوَمْ فِي الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ بَعْضِهَا.
وَفِي الْبُخَارِيِّ: إِنْ عُثْمَانَ تَأَخَّرَ فَجَاءَ وَعُمَرُ يَخْطُبُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ شُغْلٌ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأَ وَحَضَرَ، فَقَالَ عُمَرُ وَالْوُضُوءُ أَيْضًا اهـ.
وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَا يَعْتَقِدَانِ سُنِّيَّةَ الْغُسْلِ أَوْ وُجُوبَهُ، لَكِنْ جَوَّزَا تَرْكَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ مِنْ ضِيقِ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْعَوْدِ لِلْغُسْلِ بِحَضْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ; فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، فَهُوَ أَمْرٌ غَرِيبٌ وَاسْتِدْلَالٌ عَجِيبٌ، فَإِنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدِ اعْتَذَرَ عَنِ التَّأَخُّرِ وَتَرْكِ الْغُسْلِ بِالشُّغْلِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ حَالَ الْخُطْبَةِ، وَفَاتَهُ وَقْتُ التَّدَارُكِ، فَكَيْفَ يَأْمُرُهُ بِالْعُودِ لِلْغُسْلِ الْمُؤَدِّى إِلَى تَفْوِيتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا؟ ! عَلَى أَنَّ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – غَيْرُ مُشَرِّعٍ فَلَا يَدُلُّ عَدَمُ أَمْرِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ.
(وَلْيَمَسَّ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: عَطْفٌ عَلَى مَا سَبَقَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى ; إِذْ فِيهِ سِمَةُ الْأَمْرِ أَيْ: لِيَغْتَسِلُوا وَلْيَمَسَّ (أَحَدُهُمْ) أَقُولُ: وَلَعَلَّ الْعُدُولَ عَنْهُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى الْفَرْقِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ أُكِّدَ، أَوْ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَحْصُلُ لِكُلِّ أَحَدٍ (مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ) أَيْ بِشَرْطِ طِيبِ أَهْلِهِ لِقَوْلِهِ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» ، أَوْ مِنْ طِيبٍ لَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ، أَوْ مِنْ جِنْسِ طِيبِ أَهْلِهِ، لَا مِنْ نَوْعِهِ ; فَإِنَّ الرَّجُلَ مَمْنُوعٌ مِنْ طِيبِ النِّسَاءِ، وَهُوَ مَا لَهُ لَوْنٌ ( «فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَيَّ طِيبٍ فَالْمَاءُ لَهُ طِيبٌ وَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَطْيَبَ» ) .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلِذَا وَرَدَ: الْمَاءُ طِيبُ الْفُقَرَاءِ.
يَعْنِي: طِيبَ مَنْ لَا طِيبَ لَهُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّيبِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الطِّيبُ فَالْمَاءُ كَافٍ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْظِيفُ وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَفِيهِ تَطْيِيبٌ لِخَاطِرِ الْمَسَاكِينِ، وَإِشَارَةٌ إِلَى مَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي أَصْلِ ابْنِ حَجَرٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ فَغَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ.

✩✩✩✩✩✩✩

 

Visits: 0

Success rituals

Leave a Comment

 
Scroll to Top