Success Habits
healthy primal banner advert

كتاب الطهارة

كتاب الطهارة
[3]- كِتَابُ الطَّهَارَةِ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
**********
281 – عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ – أَوْ تَمْلَأُ – مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ ( «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ تَمْلَآنِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» ) لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ وَلَا فِي (الْجَامِعِ) .
وَلَكِنْ ذَكَرَهَا الدَّارِمِيُّ بَدَلَ (سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) .

[3] كِتَابُ الطَّهَارَةِ أَيْ: مِنَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَأَصْلُهَا النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ حِسِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) وَلَمَّا كَانَتِ الْعِبَادَةُ نَتِيجَةَ الْعِلْمِ، وَالصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ، وَالطَّهَارَةُ مِنْ شُرُوطِهَا الْمُتَوَقِّفِ صِحَّتُهَا عَلَيْهَا عَقَّبَ كِتَابَ الْعِلْمِ بِكِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَاخْتُصَّتْ مِنْ بَيْنِ شُرُوطِهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلسُّقُوطِ، وَلِكَثْرَةِ مَسَائِلِهَا الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا هُنَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: لِلطَّهَارَةِ مَرَاتِبُ مِنْ تَطْهِيرِ الظَّاهِرِ عَنِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، ثُمَّ تَطْهِيرِ الْجَوَارِحِ عَنِ الْجَرَائِمِ، ثُمَّ تَطْهِيرِ الْقَلْبِ عَنِ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ، ثُمَّ تَطْهِيرِ السِّرِّ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
**********
281 – (وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ) .
قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ مَالِكٌ، كَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيُّ، كَذَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ أَوْ أَبُو عَامِرٍ بِالشَّكِّ قَالَ ابْنُ الْمَدَنِيِّ: أَبُو مَالِكٍ هُوَ الصَّوَابُ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الطُّهُورُ) : بِالضَّمِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَظْهَرُ أَوْ بِالْفَتْحِ: قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ: عَلَى أَنَّ الطُّهُورَ وَالْوُضُوءَ يُضَمَّانِ إِذَا أُرِيدَ بِهِمَا الْمَصْدَرُ، وَيُفْتَحَانِ إِذَا أُرِيدَ بِهِمَا مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، كَذَا عَنِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ، وَذَهَبَ الْخَلِيلُ وَالْأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَالْأَظْهَرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ بِالْفَتْحِ فِي الِاسْمِ وَالْمَصْدَرِ اهـ.
وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: الطُّهُورُ بِالضَّمِّ هَهُنَا، وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَنْ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ الْفَعُولُ قَدْ يَجِيءُ مَصْدَرًا كَالْوَلُوعِ وَالْقَبُولِ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ اسْمًا لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ كَالسَّعُوطِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيِ اسْتِعْمَالُهُ وَمَنْ رَوَاهُ بِالضَّمِّ فَلَا إِشْكَالَ (شَطْرُ الْإِيمَانِ) .
قَالَ النَّوَوِيُّ: أَصْلُ الشَّطْرِ النِّصْفُ، قِيلَ مَعْنَى شَطْرِ الْإِيمَانِ: أَنَّ الْأَجْرَ فِي الْوُضُوءِ يَنْتَهِي إِلَى نِصْفِ أَجْرِ الْإِيمَانِ، قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ ثَوَابَ الصَّلَاةِ الَّتِي مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِهَا الْوُضُوءُ لَا يُقَالُ إِنَّهُ نِصْفُ ثَوَابِ الْإِيمَانِ بَلْ جَمِيعُ الْأَعْمَالِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نِصْفًا لِلْإِيمَانِ إِلَّا عَلَى مُعْتَقَدٍ فَاسِدٍ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ، حَيْثُ جَعَلُوا الْعَمَلَ شَطْرَ الْإِيمَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعَمَلِ شَطْرًا أَنَّهُ يُسَاوِي ثَوَابُهُ ثَوَابَ الْإِيمَانِ، كَيْفَ وَيَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعَمَلِ عَلَى الْإِيمَانِ دُونَ الْعَكْسِ، فَهُوَ أَصْلٌ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَكُونُ مُسَاوِيًا لِلْفَرْعِ أَبَدًا مَعَ أَنَّهُ كَالْعَلَامَةِ عَلَى تَحَقُّقِ الْإِيمَانِ وَقِيلَ: إِنَّ الْإِيمَانَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْخَطَايَا، وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ إِلَّا أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ فَصَارَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ فِي مَعْنَى الشَّطْرِ.
قُلْتُ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ وَهِيَ لَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ أَهْلِهَا وَإِلَّا فَعِنْدَنَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ مِنَ الْكَافِرِ فَالْأَظْهَرُ أَنَمَا يُقَالُ: إِنَّمَا كَانَ شَطْرًا لَهُ لِأَنَّهُ يَحُطُّ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ وَالْوُضُوءُ يَخْتَصُّ بِالصَّغَائِرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ هَذَا الْوُضُوءِ عِنْدَنَا أَيْضًا بِالنِّيَّةِ لِيَصِيرَ عِبَادَةً مُكَفِّرَةً لِلسَّيِّئَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ: الْمُرَادُ هُنَا بِالْإِيمَانِ الصَّلَاةُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أَيْ: صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأُطْلِقَ الْإِيمَانُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا أَعْظَمُ آثَارِهِ وَأَشْرَفُ نَتَائِجِهِ وَأَنْوَارُ أَسْرَارِهِ وَجُعِلَتِ الطَّهَارَةُ شَطْرَهَا لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِاسْتِجْمَاعِ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ وَالطَّهَارَةُ أَقْوَى الشَّرَائِطِ وَأَظْهَرُهَا، فَجُعِلَتْ كَأَنَّهَا لَا شَرْطَ سِوَاهَا، وَالشَّرْطُ شَرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَشْرُوطُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالشَّطْرِ مُطْلَقُ الْجُزْءِ لَا النِّصْفُ الْحَقِيقِيُّ.
قُلْتُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] ثُمَّ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِيمَانِ الصَّلَاةُ فَلَا إِشْكَالَ أَوْ يُرَادُ بِهِ الْإِيمَانُ الْمُتَعَارَفُ، فَالْجُزْءُ مَحْمُولٌ عَلَى أَجْزَاءِ كَمَالِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِعِبَارَةِ النِّصْفِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى النِّصْفِ كَمَا قِيلَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: ( «عِلْمُ الْفَرَائِضِ نِصْفُ الْعِلْمِ» ) وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ حَقِيقَتُهُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ طَهَارَةُ الْقَلْبِ عَنِ الشِّرْكِ وَالطَّهُورُ طَهَارَةُ الْأَعْضَاءِ مِنَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الطَّهَارَةَ نِصْفَانِ أَيْ: فَجِنْسُهَا نَوْعَانِ طَهَارَةُ الظَّاهِرِ وَطَهَارَةُ الْبَاطِنِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الطَّهُورُ تُزَكِّيهِ عَنِ الْعَقَائِدِ الزَّائِغَةِ وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَهِيَ شَطْرُ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ، فَإِنَّهُ تَخْلِيَةٌ وَتَحْلِيَةٌ، وَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْإِيمَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ الْمُنْبِئَةِ عَنْ نَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ لِغَيْرِهِ تَعَالَى، وَإِثْبَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالتَّوْحِيدِ الذَّاتِيِّ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَهَذَا الْمُرَكَّبُ هُوَ مَعْنَى الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي عَلَيْهَا مَبْنَى الْإِيمَانِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] وَلَا يَضُرُّنَا إِيرَادُ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ بِحَسَبِ فَهْمِ بَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ وَبِمَا قُلْنَا تَظْهَرُ الْمُنَاسَبَةُ التَّامَّةُ بَيْنَ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ فِي قَوْلِهِ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) : أَيْ تَلَفُّظُهُ أَوْ تَصَوُّرُهُ (تَمْلَأُ الْمِيزَانَ) بِالتَّأْنِيثِ عَلَى تَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ أَوِ الْجُمْلَةِ وَقِيلَ بِالتَّذْكِيرِ عَلَى إِرَادَةِ اللَّفْظِ أَوِ الْكَلَامِ أَوِ الْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ أَيْ: لَوْ قُدِّرَ ثَوَابُهُ مُجَسَّمًا لَمَلَأَ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْأَقْوَالَ وَالْأَعْمَالَ وَالْمَعَانِيَ تَتَجَسَّدُ ذَوَاتُهَا فِي الْعَالَمِ الثَّانِي وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَيْ: ثَوَابُهَا لَوْ جُسِّمَ أَوْ هِيَ لَوْ جُسِّمَتْ بِاعْتِبَارِ ثَوَابِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِظُهُورِ عَدَمِ الْفَرْقِ هَذَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ تُوزَنُ الْأَعْمَالُ وَهِيَ أَعْرَاضٌ مُسْتَحِيلَةُ الْبَقَاءِ، وَكَذَا الْأَعْرَاضُ لَا تُوصَفُ بِالثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ نُصُوصَ الشَّرْعِ تَظَاهَرَتْ عَلَى وَزْنِ الْأَفْعَالِ وَثِقَلِ الْمَوَازِينِ وَخِفَّتِهَا، وَثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ لِلْمِيزَانِ لِسَانًا وَكِفَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ، وَالْأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ، تُكْتَبُ حَسَنَاتُهُ فِي صَحِيفَةٍ وَتُوضَعُ فِي كِفَّةٍ، وَتُكْتَبُ سَيِّئَاتُهُ وَتُوضَعُ فِي الْأُخْرَى فَوَجَبَ الْقَبُولُ وَتُرِكَ الِاعْتِرَاضُ بِسَبَبِ قُصُورِ الْفَهْمِ وَرَكَاكَةِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى الْأَسْرَارِ وَكَشَفَ لَهُ عَجَائِبَ الْأَقْدَارِ يَرَى أَنَّ الْمُقَيَّدَ بِعَقْلِهِ لَيْسَ لَهُ مِقْدَارٌ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ وَزْنُ الصَّحَائِفِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ: النَّفْسُ بِذَاتِهَا مُهَيِّئَةٌ لِأَنْ يَنْكَشِفَ لَهَا حَقَائِقُ الْأُمُورِ، لَكِنَّ تَعَلُّقَهَا بِالْجَسَدِ مَانِعٌ عَنْ ذَلِكَ، فَإِذَا انْكَشَفَ الْغِطَاءُ بِالْمَوْتِ يَعْرِفُ أَنَّ أَعْمَالَهُ مُؤَثِّرَةٌ فِي تَقْرِيبِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِبْعَادِهِ، وَيَعْلَمُ مَقَادِيرَ تِلْكَ الْآثَارِ وَأَنَّ بَعْضَهَا أَشَدُّ تَأْثِيرًا مِنَ الْبَعْضِ، وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ سَبَبًا يُعَرِّفُ الْخَلْقَ فِي لَحْظَةٍ مَقَادِيرَ الْأَعْمَالِ بِتَشْكِيلٍ حَقِيقِيٍّ أَوْ تَمْثِيلٍ خَيَالِيٍّ، فَحَدُّ الْمِيزَانِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، وَمِثَالُهُ فِي الْعَالَمِ الْحِسِّيِّ مُخْتَلِفٌ، كَالْمِيزَانِ وَالْقَبَّانِ لِلْأَثْقَالِ، وَالِاضْطِرَابِ لِحَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ، وَالْمَسْطَرَةِ لِمَقَادِيرِ الشِّعْرِ فَلِتَقْرِيبِهِ بِأَفْهَامِ الْبَلِيدِ وَالْجَلِيدِ مِثْلَ مَا أُرِيدَ اهـ.
فَمُخَالَفَتُهُ الْمُعْتَزِلَةَ فِيهِ كَنَظَائِرِهِ إِنَّمَا نَشَأَتْ عَنْ تَحْكِيمِ عُقُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ، وَنَظَرِهِمْ إِلَى الْأَدِلَّةِ الْوَاهِيَةِ الْكَاسِدَةِ ( «وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ» ) الشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي.
قَالَ النَّوَوِيُّ: ضَبَطْنَاهُمَا بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ قَالَ الطِّيبِيُّ فَالْأَوَّلُ أَيْ: تَمْلَآنِ ظَاهِرٌ، وَالثَّانِي فِيهَا ضَمِيرُ الْجُمْلَةِ أَيِ: الْجُمْلَةُ الشَّامِلَةُ لَهُمَا.
قُلْتُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْإِفْرَادُ بِتَقْدِيرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) : إِمَّا بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ أَوْ لِأَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ وَنَفْيِ النُّعُوتِ السَّلْبِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( «وَالصَّلَاةُ نُورٌ» ) أَيْ: فِي الْقَبْرِ وَظُلْمَةِ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ: إِنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْفَحْشَاءِ وَتَهْدِي إِلَى الصَّوَابِ كَالنُّورِ، وَقِيلَ أَرَادَ بِالنُّورِ الْأَمْرَ الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ صَاحِبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ تَعَالَى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الحديد: 12] وَقِيلَ: لِأَنَّهَا سَبَبُ إِشْرَاقِ أَنْوَاعِ الْعَارِفِ وَانْشِرَاحِ الْقَلْبِ وَمُكَاشَفَاتِ الْحَقَائِقِ لِفَرَاغِ الْقَلْبِ فِيهَا، وَقِيلَ: النُّورُ: السِّيمَا فِي وَجْهِ الْمُصَلِّي، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( «وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ» ) مَعْنَاهُ يُفْزَعُ إِلَيْهَا كَمَا يُفْزَعُ إِلَى الْبُرْهَانِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سُئِلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ مَصْرِفِ مَالِهِ كَانَتْ صَدَقَتُهُ بَرَاهِينُ فِي الْجَوَابِ، وَقِيلَ: يُوسَمُ الْمُتَصَدِّقُ بِسِيمَاءَ يُعْرَفُ بِهَا فَيَكُونُ بُرْهَانًا عَلَى الْفَلَاحِ وَالْهُدَى، فَلَا يُسْأَلُ عَنِ الْمَصْرِفِ وَقِيلَ: إِنَّهَا حُجَّةٌ عَلَى إِيمَانِ صَاحِبِهَا فَإِنَّ الْمُنَافِقَ يَمْتَنِعُ مِنْهَا ( «وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ» ) : بِالْيَاءِ الْمُنْقَلِبَةِ عَنِ الْوَاوِ لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا وَرُوِيَ بِالْهَمْزَةِ قَبْلَ الْأَلِفِ، قِيلَ: الصَّبْرُ هُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عَمَّا تَتَمَنَّى مِنَ الشَّهَوَاتِ وَعَلَى مَا يَشُقُّ عَلَيْهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ وَفِيمَا يَصْعُبُ عَلَيْهَا مِنَ النَّائِبَاتِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الصَّبْرُ عَنِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا الدَّنِيَّةِ، وَعَنِ الْمَعَاصِي، وَعَلَى التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَفِي الْمُصِيبَاتِ وَالْمِحَنِ الْكَوْنِيَّةِ فَيَخْرُجُ الْعَبْدُ عَنْ عُهْدَتِهَا فَتَكُونُ ضِيَاءً لِأَنَّ بِتَرْكِ الصَّبْرِ عَلَيْهَا يَدْخُلُ فِي ظُلْمَةِ الْمَعَاصِي، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالصَّبْرِ هُنَا الصَّوْمُ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ مَعَ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ، إِذِ الْمُرَادُ بِهَا الزَّكَاةُ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45] وَسُمِّيَ الصَّوْمُ صَبْرًا لِثَبَاتِ الصَّائِمِ وَحَبْسِهِ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَسُمِّيَ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَقِيلَ قَوْلُهُ: (ضِيَاءٌ) يَعْنِي فِي ظُلْمَةِ الْقَبْرِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا صَبَرَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْبَلَايَا فِي سَعَةِ الدُّنْيَا، وَعَنِ الْمَعَاصِي فِيهَا جَازَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّفْرِيجِ وَالتَّنْوِيرِ فِي ضِيقِ الْقَبْرِ وَظُلْمَتِهِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الصَّبْرُ ضِيَاءٌ فِي قَلْبِهِ لِأَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمَكَارِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَذَلُّلٌ وَمَنْ تَذَلَّلَ فِي اللَّهِ سَهُلَ عَلَيْهِ الطَّاعَاتُ وَمَشَاقُّ الْعِبَادَاتِ وَتَجَنُّبُ الْمَحْظُورَاتِ، وَمَنْ كَانَ هَذَا شِعَارَهُ لَا شَكَّ أَنَّ فِي قَلْبِهِ ضِيَاءً وَالضِّيَاءُ أَقْوَى مِنَ النُّورِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: 5] وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّبْرَ أَوْسَعُ مِنَ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَحْظُورَاتِ تَحْتَاجُ إِلَى الصَّبْرِ، نَعَمْ إِذَا فُسِّرَ الصَّوْمُ بِالصَّبْرِ، فَذَلِكَ لِتَخْصِيصِهِ بِالنَّهَارِ كَتَخْصِيصِ الشَّمْسِ بِهِ، لَا لِمَزِيَّةِ الصَّوْمِ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّوْمَ إِمْسَاكٌ يُشْبِهُ الصَّمَدَانِيَّةَ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ وَالصَّلَاةُ تَذَلُّلٌ وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْعَبْدِ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ) كَذَا حَقَّقَهُ السَّيِّدُ (وَالْقُرْآنُ) : أَيْ: قِرَاءَتُهُ (حُجَّةٌ لَكَ) : إِنْ عَمِلْتَ بِهِ (أَوْ عَلَيْكَ) : إِنْ أَعْرَضْتَ عَنْهُ أَوْ قَصَّرْتَ مِنْهُ بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِمَعَانِيهِ (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو) أَيْ يُصْبِحُ أَوْ يَسِيرُ، قِيلَ: الْغُدُوُّ: السَّيْرُ أَوَّلَ النَّهَارِ ضِدُّ الرَّوَاحِ، وَقَدْ غَدَا يَغْدُو غُدُوًّا مَأْخُوذٌ مِنَ الْغَدْوَةِ مَا بَيْنَ الصَّبَاحِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالْمَعْنَى كُلُّ أَحَدٍ يَسْعَى وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّنْيَا وَيَرَى أَثَرَ عَمَلِهِ فِي الْعُقْبَى.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُوَ مُجْمَلٌ تَفْصِيلُهُ (فَبَائِعٌ نَفْسَهُ) : أَيْ: حَظَّهَا بِإِعْطَائِهَا وَأَخْذِ عِوَضِهَا وَهُوَ عَمَلُهُ وَكَسْبُهُ، فَإِنْ عَمِلَ خَيْرًا فَقَدْ بَاعَهَا وَأَخَذَ الْخَيْرَ عَنْ ثَمَنِهَا (فَمُعْتِقُهَا) مِنَ النَّارِ بِذَلِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهُوَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ الْبَعْضِ مِنْ قَوْلِهِ: فَبَائِعٌ نَفْسَهُ (أَوْ مُوبِقُهَا) أَيْ: مُهْلِكُهَا بِأَنْ بَاعَهَا وَأَخَذَ الشَّرَّ عَنْ ثَمَنِهَا.
وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ تَبَعًا لِلْأَشْرَافِ وَغَيْرُهُ: الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ يُطْلَقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِارْتِبَاطِهِ بِهِ، وَعَبَّرَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَنْ تَرْكِ حَالَةٍ وَكَسْبِ أُخْرَى كَتَرْكِ الْبَائِعِ مَا فِي يَدِهِ إِيثَارًا لِمَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَمَنْ صَرَفَ نَفْسَهُ عَمَّا تَتَوَخَّاهُ وَآثَرَ آخِرَتَهُ عَلَى دُنْيَاهُ وَاشْتَرَى نَفْسَهُ بِالْآخِرَةِ، فَقَدْ أَعْتَقَهَا عَنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ، وَمَنْ آثَرَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَاشْتَرَاهَا بِهَا فَقَدْ أَوْبَقَ نَفْسَهُ أَيْ: أَهْلَكَهَا بِأَنْ جَعَلَهَا عُرْضَةً لِعَظِيمِ عَذَابِهِ وَقَوْلُهُ: فَبَائِعٌ نَفْسَهُ أَيْ: فَمُشْتَرِي نَفْسَهُ مِنْ رَبِّهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَمُعْتِقُهَا.
وَالْإِعْتَاقُ إِنَّمَا يَصِحُّ مِنَ الْمُشْتَرِي، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا وَآثَرَ الْآخِرَةَ يَكُونُ مُشْتَرِيًا نَفْسَهُ مِنْ رَبِّهِ بِالدُّنْيَا، فَيَكُونُ مُعْتِقَهَا، وَمَنْ تَرَكَ الْآخِرَةَ وَآثَرَ الدُّنْيَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا بِالْأُخْرَى فَيَكُونُ مُوبِقَهَا، وَقِيلَ: الْمَعْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَسْعَى فِي الْأُمُورِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا مِنَ اللَّهِ فَيُعْتِقُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا مِنَ الشَّيْطَانِ فَيُوبِقُهَا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) ، (وَفِي رِوَايَةٍ) : ظَاهِرَةٌ أَنَّهَا لِمُسْلِمٍ، وَلِذَا يَجِيءُ الِاعْتِرَاضُ الْآتِي (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ تَمْلَآنِ) : التَّأْنِيثُ، وَقِيلَ بِالتَّذْكِيرِ (مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) إِمَّا بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ.
قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ (لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ) : أَيِ: الَّتِي نَسَبَهَا صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ إِلَى مُسْلِمٍ (فِي الصَّحِيحَيْنِ) : أَيْ: مَتْنُهُمَا (لَا فِي كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ) : الْجَامِعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ (وَلَا فِي الْجَامِعِ: أَيْ لِلْأُصُولِ السِّتَّةِ (وَلَكِنْ ذَكَرَهَا) : أَيْ: هَذِهِ الرِّوَايَةَ الدَّارِمِيُّ بَدَلَ (سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) : وَهُوَ لَيْسَ بِمُخْلِصٍ لَهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ مِنَ الصِّحَاحِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِمَّا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَيْسَتْ فِي أَحَدِهِمَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الِالْتِزَامَ إِنَّمَا هُوَ فِي أُصُولِ الْأَحَادِيثِ، وَأَمَّا هَذِهِ فَإِنَّمَا هِيَ زِيَادَةُ إِفَادَةٍ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى أَصْلِ الْحَدِيثِ الْمَوْجُودِ فِي مُسْلِمٍ اللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: وَفِي تَخْرِيجِ الْمَصَابِيحِ لِلْقَاضِي عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيِّ الشَّافِعِيِّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا فِي مُسْلِمٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، فَظَاهِرُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ لَا التَّبْدِيلَ، وَأَمَّا ظَاهِرُ رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ فَالتَّبْدِيلُ اهـ.

✩✩✩✩✩✩✩

PlantingTheSeeds-banner

282 – وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» )
282 – (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – (أَلَا أَدُلُّكُمْ) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَلَا نَافِيَةٌ وَلَيْسَ أَلَا لِلتَّنْبِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ بَلَى، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: إِنَّهُ حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ غَفْلَةٌ مِنْهُ ( «عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا» ) قَالَ الطِّيبِيُّ: مَحْوُ الْخَطَايَا كِنَايَةٌ عَنْ غُفْرَانِهَا، وَيُحْتَمَلُ الْمَحْوُ عَنْ كِتَابِ الْحَفَظَةِ دَلَالَةً عَلَى غُفْرَانِهَا ( «وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ» ؟) : أَعْلَى الْمَنَازِلِ فِي الْجَنَّاتِ (قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ!) : وَفَائِدَةُ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ أَوْقَعَ فِي النَّفْسِ بِحُكْمِ الْإِبْهَامِ وَالتَّبْيِينِ قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ) : بِضَمِّ الْوَاوِ، وَقِيلَ بِالْفَتْحِ أَيْ تَكْمِيلُهُ وَإِتْمَامُهُ بِاسْتِيعَابِ الْمَحَلِّ بِالْغُسْلِ وَتَطْوِيلُ الْغُرَّةِ وَتَكْرَارُ الْغُسْلِ ثَلَاثًا، وَقِيلَ: إِسْبَاغُهُ مَا لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ إِلَّا بِهِ.
كَذَا فِي زَيْنِ الْعَرَبِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ، وَهَذَا بَعِيدٌ يَأْبَى عَنْهُ لَفْظُ الْإِسْبَاغِ وَمَعْنَى رَفْعِ الدَّرَجَاتِ، وَأَصْلُ الْوُضُوءِ مِنَ الْوَضَاءَةِ لِأَنَّهُ يُحَسِّنُ الْمُتَوَضِّئَ وَفِي النِّهَايَةِ أَثْبَتَ سِيبَوَيْهِ الْوَضُوءَ وَالطَّهُورَ وَالْوَقُودَ بِالْفَتْحِ فِي الْمَصَادِرِ وَهِيَ تَقَعُ عَلَى الِاسْمِ وَالْمَصْدَرِ (عَلَى الْمَكَارِهِ) : جَمْعُ مَكْرَهٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ مِنَ الْكُرْهِ بِمَعْنَى الْمَشَقَّةِ وَالْأَلَمِ قِيلَ: مِنْهَا إِعْوَازُ الْمَاءِ وَالْحَاجَةُ إِلَى طَلَبِهِ أَوِ ابْتِيَاعِهِ بِالثَّمَنِ الْغَالِي، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ حَالُ مَا يَكْرَهُ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ كَالتَّوَضُّؤِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الشِّتَاءِ أَوْ أَلَمِ الْجِسْمِ (وَكَثْرَةُ الْخُطَا) : جَمْعُ خُطْوَةٍ بِضَمِّ الْخَاءِ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ وَكَثْرَتِهَا إِمَّا لِبُعْدِ الدَّارِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّكْرَارِ (إِلَى الْمَسَاجِدِ) : لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى فَضْلِ الدَّارِ الْبَعِيدَةِ عَنِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَرِيبَةِ مِنْهُ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، فَإِنَّهُ لَا فَضِيلَةَ لِلْبُعْدِ فِي ذَاتِهِ، بَلْ فِي تَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ لِلدَّارِ طَرِيقَانِ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَيَأْتِي مِنَ الْأَبْعَدِ لَيْسَ لَهُ ثَوَابٌ عَلَى قَدْرِ الزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا رَغَّبَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى كَثْرَةِ الْخُطَا تَسْلِيَةً لِمَنْ بَعُدَ دَارُهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( «دِيَارُكُمْ تَكْتُبُ آثَارَكُمْ» ) لِمَنْ بَعُدَتْ دِيَارُهُمْ عَنْ مَسْجِدِهِ؛ فَأَرَادُوا الْقُرْبَ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الْقُرْبَ مِنْهُ أَفْضَلُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأَوْقَاتِ وَعَدَمِ فَوْتِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ، فَسَلَّاهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَوْلِهِ: (تَكْتُبُ آثَارَكُمْ) يَعْنِي إِنْ فَاتَكُمْ بَعْضُ الْفَوَائِدِ يَحْصُلُ لَكُمْ بَعْضُ الْعَوَائِدِ، وَالْأَمْرُ بِلُزُومِ الدِّيَارِ لِمَا يَتَرَتَّبُ مِنْ تَغْيِيرِ الدَّارِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَكْدَارِ مَعَ أَنَّهُ قِيلَ: إِنَّمَا أَمْرَهُمْ بِالِاسْتِمْرَارِ لِئَلَّا يَخْلُوَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَصِيرَ مَحَلَّ الْإِمْكَارِ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا عَدُّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ شُؤْمِ الدَّارِ بُعْدَهَا مِنَ الْمَسْجِدِ (وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ) : أَيْ: وَقْتُهَا أَوْ جَمَاعَتُهَا (بَعْدَ الصَّلَاةِ) : يَعْنِي إِذَا صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ أَوْ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ يَنْتَظِرُ صَلَاةً أُخْرَى وَيُعَلِّقُ فِكْرَهُ بِهَا بِأَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي بَيْتِهِ يَنْتَظِرُهَا، أَوْ يَكُونَ فِي شُغْلِهِ وَقَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِهَا (فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ يُقَالُ: رَابَطْتُ أَيْ لَازَمْتُ الثَّغْرَ وَهُوَ أَيْضًا اسْمٌ لِمَا يُرْبَطُ بِهِ وَسُمِّيَ مَكَانُ الْمُرَابَطَةِ رِبَاطًا قَالَ الْقَاضِي: إِنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ هِيَ الْمُرَابَطَةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِأَنَّهَا تَسُدُّ طُرُقَ الشَّيْطَانِ عَلَى النَّفْسِ وَتَقْهَرُ الْهَوَى وَتَمْنَعُهَا مِنْ قَبُولِ الْوَسَاوِسِ فَيَغْلِبُ بِهَا حِزْبُ اللَّهِ جُنُودَ الشَّيْطَانِ، وَذَلِكَ هُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ.

✩✩✩✩✩✩✩

283 – وَفِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: ( «فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) رَدَّدَ مَرَّتَيْنِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ ثَلَاثًا.

healthy primal banner advert

283 – (وَفِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: ( «فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» ) قِيلَ: اسْمُ الْإِشَارَةِ يَدُلُّ عَلَى بُعْدِ مَنْزِلَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَكَذَا إِيقَاعُ الرِّبَاطِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ خَبَرًا لِاسْمِ الْإِشَارَةِ أَيْ: هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى رِبَاطًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] كَأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ، وَلِزِيَادَةِ التَّقْرِيرِ وَالتَّأْكِيدِ (رَدَّدَ مَرَّتَيْنِ) : أَيْ: كَرَّرَ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ الرِّبَاطُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] وَالرِّبَاطُ (الْجِهَادُ أَيْ ثَوَابُ هَذِهِ كَثَوَابِ الْجِهَادِ إِذْ فِيهِ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ بِإِذَاقَتِهَا الْمَكَارِهَ وَالشَّدَائِدَ كَمَا فِي الْجِهَادِ.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: ثَلَاثًا) أَيْ: كَرَّرَهُ ثَلَاثًا لِأَجْلِ زِيَادَةِ الْحَثِّ، وَقِيلَ: يُرِيدُ بِالْأَوَّلِ رَبْطُ الْخَيْلِ، وَبِالثَّانِي جِهَادُ النَّفْسِ، وَبِالثَّالِثِ طَلَبُ الْحَلَالِ.

✩✩✩✩✩✩✩

284 – وَعَنْ عُثْمَانَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» : مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

islamship banner

284 – (وَعَنْ عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ» ) قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ بِمَنْزِلَةِ ثُمَّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَرَاخِي الرُّتْبَةِ، فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْإِجَادَةَ مِنْ تَطْوِيلِ الْغُرَّةِ وَتَكْرَارِ الْغُسْلِ ثَلَاثًا وَمُرَاعَاةِ الْأَدَبِ مِنَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ عَنِ السَّلَفِ أَفْضَلُ مِنْ أَدَاءِ مَا وَجَبَ مُطْلَقًا، وَفِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ مِنْ أَنَّ ثَوَابَ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ أَجْرِ النَّفْلِ: نَعَمْ يُقَالُ: إِحْسَانُ الْوُضُوءِ وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالْمُكَمِّلَاتِ أَفْضَلُ مِنْ مَرْتَبَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاجِبَاتِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْفَاءَ لِمُجَرَّدِ الْعَطْفِ وَالْجَزَاءُ الْمَذْكُورُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى مَجْمُوعِ الشَّرْطِ مِنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، (خَرَجَتْ خَطَايَاهُ) تَمْثِيلٌ وَتَصْوِيرٌ لِبَرَاءَتِهِ، لَكِنَّ هَذَا الْعَامَّ خُصَّ بِالصَّغَائِرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا سَيَأْتِي مَا لَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً، وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَلَى أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا تُغْفَرُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ وَأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مَنُوطَةٌ بِرِضَاهُمْ، كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَفِيهِ: أَنَّهُ بِظَاهِرِهِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ الْقَاطِعِ الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَالتَّقْيِيدُ بِالتَّوْبَةِ فِي الثَّانِي مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ الْمَدْفُوعُ بِأَنَّ الشِّرْكَ أَيْضًا يُغْفَرُ بِالتَّوْبَةِ (مِنْ جَسَدِهِ) أَيْ: جَمِيعِ بَدَنِهِ أَوْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ ( «حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» ) أَيْ: مَثَلًا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: فِيهِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَاقْتَصَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِهِ عَلَى عَزْوِهِ لِمُسْلِمٍ.

✩✩✩✩✩✩✩

285 – وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ – أَوِ الْمُؤْمِنُ – فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ، خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

pregnancy nutrition

285 – (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ – أَوِ الْمُؤْمِنُ» ) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي فِي لَفْظِ النُّبُوَّةِ وَإِلَّا فَهُمَا مُتَرَادِفَانِ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي حُكْمِ الْمُؤْمِنِ (فَغَسَلَ وَجْهَهُ) : عَطْفٌ عَلَى تَوَضَّأَ عَطْفَ تَفْسِيرٍ، أَوِ الْمُرَادُ إِذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمَثُوبَةِ ( «خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ» ) جَوَابُ إِذَا ( «كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا» ) إِلَى الْخَطِيئَةِ يَعْنِي إِلَى سَبَبِهَا إِطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ مُبَالَغَةً (بِعَيْنَيْهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: تَأْكِيدٌ، وَزَادَ ابْنُ حَجَرٍ لِلْمُبَالَغَةِ وَإِلَّا فَالنَّظَرُ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ اهـ.
وَهُوَ مُوهِمٌ أَنَّهُ مِنْ بَابِ رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِنَظَرٍ بِإِحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ بِهِمَا (مَعَ الْمَاءِ) : أَيْ: مَعَ انْفِصَالِهِ وَالْجُمْلَةُ الْمَجْرُورَةُ الْمَحَلِّ صِفَةُ الْخَطِيئَةِ مَجَازًا، وَكَذَا أَخَوَاتُهُ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) قِيلَ: أَوْ لِشَكِّ الرَّاوِي، وَقِيلَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَالْقَطْرُ إِجْرَاءُ الْمَاءِ وَإِنْزَالُ قَطْرِهِ (فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ) : أَيْ: ذَهَبَ وَمُحِيَ (كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا) : أَيْ: أَخَذَتْهَا (يَدَاهُ) كَمُلَامَسَةِ الْمُحَرَّمَةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: يَدَاهُ لِلتَّأْكِيدِ وَفِيهِ مَا سَبَقَ (مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا: الضَّمِيرُ لِلْخَطِيئَةِ وَنُصِبَتْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: مَشَتْ بِهَا إِلَى الْخَطِيئَةِ أَوْ يَكُونُ مَصْدَرًا أَيْ: مَشَتِ الْمِشْيَةَ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ) أَيِ اجْعَلِ الْجَعْلَ.
(رِجْلَاهُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: تَأْكِيدٌ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ (مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) أَيْ: ذُنُوبِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ مِنَ الصَّغَائِرِ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ يَفْرُغُ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ وُضُوئِهِ طَاهِرًا مِنَ الذُّنُوبِ أَيِ الَّتِي اكْتَسَبَهَا بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَغْفُورَ ذُنُوبُ أَعْضَائِهِ الْمَغْسُولَةِ، فَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ غُفْرَانَ جَمِيعِ الْجَسَدِ يَكُونُ عِنْدَ التَّوَضُّؤِ بِالتَّسْمِيَةِ يُشِيرُ إِلَيْهِ إِحْسَانُ الْوُضُوءِ وَغُفْرَانُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ نَصٌّ عَلَى غُفْرَانِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ جَسَدِهِ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ بَدَنِهِ، أَوْ أَعْضَاءَ الْوُضُوءَ يُشِيرُ إِلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: ذَكَرَ لِكُلِّ عُضْوٍ مَا يُخَصُّ بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَمَا يُزِيلُهَا عَنْ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ فَلِمَ خُصَّتِ الْعَيْنُ بِالذِّكْرِ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ الْعَيْنَ طَلِيعَةُ الْقَلْبِ وَرَائِدُهُ، فَإِذَا ذُكِرَتْ أَغْنَتْ عَنْ سَائِرِهَا، وَيُعَضِّدُهُ الْخَبَرُ الْآتِي: فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَنْفَ وَاللِّسَانَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالْأُذُنَ بِالْمَسْحِ فَيَتَعَيَّنُ الْعَيْنُ وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مَا هُوَ كَالتَّصْرِيحِ بِذَلِكَ، أَوْ يُقَالُ: خُصَّتِ الْعَيْنُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ خُرُوجِ ذُنُوبِهَا لِعَدَمِ غَسْلِ دَاخِلِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ ذَكَرَ مَا يُؤَيِّدُ قَوْلِي حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الطِّيبِيِّ: وَجَعْلُ الْأُذُنِ مِنَ الْوَجْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَنَا، بَلْ هِيَ لَيْسَتْ مِنَ الْوَجْهِ وَلَا مِنَ الرَّأْسِ وَخَبَرُ «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» ضَعِيفٌ، وَكَوْنُ الْعَيْنِ طَلِيعَةً كَمَا ذُكِرَ لَا يُنْتِجُ الْجَوَابَ عَنْ تَخْصِيصِ خَطِيئَتِهَا بِالْمَغْفِرَةِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، بَلِ الَّذِي يَتَّجِهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّخْصِيصِ هُوَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ لَهُ طَهَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ طَهَارَةِ الْوَجْهِ، فَكَانَتْ مُتَكَلِّفَةً بِإِخْرَاجِ خَطَايَاهُ بِخِلَافِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا طَهَارَةٌ إِلَّا فِي غَسْلِ الْوَجْهِ فَخُصَّتْ خَطِيئَتُهَا بِالْخُرُوجِ عِنْدَ غَسْلِهِ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ فَتَأَمَّلْهُ اهـ.
وَقَوْلُهُ: خَبَرُ الْأُذُنَانِ ضَعِيفٌ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ( «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» ) أَيْ حُكْمُهُمَا إِذْ لَمْ يُبْعَثْ لِبَيَانِ الْخِلْقَةِ، وَقَدْ نَصَّ «ابْنُ الْقَطَّانِ» عَلَى صِحَّتِهِ أَيْضًا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

✩✩✩✩✩✩✩

286 – وَعَنْ عُثْمَانَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( «مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

pregnancy nutrition

286 – (وَعَنْ عُثْمَانَ) : – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) : مِنْ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّصِّ عَلَى الْعُمُومِ ( «تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ» ) : أَيْ: مَفْرُوضَةٌ أَيْ يَأْتِي وَقْتُهَا أَوْ يَقْرُبُ دُخُولُ وَقْتِهَا ( «فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا» ) : بِأَنْ يَأْتِيَ بِفَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ (وَخُشُوعَهَا) : بِإِتْيَانِ كُلِّ رُكْنٍ عَلَى وَجْهٍ هُوَ أَكْثَرُ تَوَاضُعًا وَإِخْبَاتًا، أَوْ خُشُوعُهَا خَشْيَةُ الْقَلْبِ وَإِلْزَامُ الْبَصَرِ مَوْضِعَ السُّجُودِ، وَجَمْعُ الْهِمَّةِ لَهَا وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهَا وَمِنَ الْخُشُوعِ أَنْ يَتَوَقَّى كَفَّ الثَّوْبِ وَالِالْتِفَاتِ وَالْعَبَثِ وَالتَّثَاؤُبِ وَالتَّغْمِيضِ وَنَحْوِهَا، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ – الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1 – 2] وَهُوَ يَكُونُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَلِذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمَنْ كَانَ يَعْبَثُ فِي الصَّلَاةِ بِلِحْيَتِهِ أَوْ ثَوْبِهِ ( «لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» (وَرُكُوعَهَا) ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: اكْتُفِيَ بِذِكْرِ الرُّكُوعِ عَنِ السُّجُودِ لِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ مُتَعَاقِبَانِ، فَإِذَا حُثَّ عَلَى إِحْسَانِ أَحَدِهِمَا حُثَّ عَلَى الْآخَرِ، وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ أَشَدُّ فَافْتُقِرَ إِلَى زِيَادَةِ تَوْكِيدٍ، لِأَنَّ الرَّاكِعَ يَحْمِلُ نَفْسَهُ فِي الرُّكُوعِ وَيَتَحَامَلُ فِي السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ، وَقِيلَ: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا خُصَّ الرُّكُوعُ بِالذِّكْرِ دُونَ السُّجُودِ! لِاسْتِتْبَاعِهِ السُّجُودَ، إِذْ لَا يَسْتَقِلُّ عِبَادَةً وَحْدَهُ بِخِلَافِ السُّجُودِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِلُّ عِبَادَةً كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، كَذَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ.
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: تَخْصِيصُ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ التَّحْرِيضَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ هَذَا فِي الْأَغْلَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي شَأْنِ مَرْيَمَ: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] قِيلَ: أُمِرَتْ أَنْ تَرْكَعَ مَعَ الرَّاكِعِينَ، وَلَا تَكُنْ مَعَ مَنْ لَا يَرْكَعُ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ انْقَادِي وَصَلِّي مَعَ الْمُصَلِّينَ فَحِينَئِذٍ لَا إِشْكَالَ (إِلَّا كَانَتْ) : أَيِ: الصَّلَاةُ (كَفَّارَةً) : أَيْ: سَاتِرَةً (لِمَا قَبْلَهَا) : أَيْ: لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهَا (مِنَ الذُّنُوبِ) : وَإِذَا أَتَى الْكَبِيرَةَ لَمْ يَكُنْ كَفَّارَةً لِلْجَمِيعِ، وَلِذَا قَالَ (مَا لَمْ يُؤْتِ) : بِكَسْرِ التَّاءِ مَعْلُومًا مِنَ الْإِيتَاءِ، وَقِيلَ: مَجْهُولٌ أَيْ مَا لَمْ يَعْمَلْ (كَبِيرَةً) بِالنَّصْبِ لَا غَيْرَ كَانَ الْفَاعِلُ يُعْطَى الْعَمَلَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يُعْطِيهِ غَيْرَهُ مِنَ الدَّاعِي، أَوِ الْمُحَرِّضِ عَلَيْهِ، أَوِ الْمُمَكِّنِ لَهُ مِنْهُ، فَهُوَ عَلَى حَدِّ {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا} [الأحزاب: 14] بِالْمَدِّ لَأَعْطَوْهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَفِي نُسْخَةٍ: مَا لَمْ يَأْتِ مِنَ الْإِتْيَانِ كَمَا فِي الْمَصَابِيحِ أَيْ: مَا دَامَ لَمْ يَعْمَلْ كَبِيرَةً قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: إِثْبَاتُ يَأْتِ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ فِي كِتَابِ الْمَصَابِيحِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ مَفَارِيدِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ إِلَّا مِنَ الْإِتْيَانِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْتِ أَوْضَحَ مَعْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ: أَتَى فُلَانٌ مُنْكَرًا لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ جِهَةِ الرَّاوِيَةِ الْإِيتَاءُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ، وَالْمَعْنَى مَا لَمْ يَعْمَلْ كَبِيرَةً وَضَعَ الْإِيتَاءَ مَوْضِعَ الْعَمَلِ لِأَنَّ الْعَامِلَ يُعْطِي الْعَمَلَ مِنْ نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ مَا لَمْ يُصَبْ بِكَبِيرَةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: أُتِيَ فُلَانٌ فِي بَدَنِهِ أَيْ أَصَابَتْهُ عِلَّةٌ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (وَذَلِكَ) أَيِ: التَّكْفِيرُ بِسَبَبِ الصَّلَاةِ، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَذُو الْحَالِ مُسْتَتِرٌ فِي خَبَرِ كَانَتْ وَهُوَ كَفَّارَةٌ قَالَ الطِّيبِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَاوَ اسْتِئْنَافِيَّةٌ (الدَّهْرَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَمَحَلُّهُ الرَّفْعُ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ أَيْ: حَاصِلٌ فِي جَمِيعِ الدَّهْرِ (كُلَّهُ) : تَأْكِيدٌ لَهُ أَيْ: لَا وَقْتٌ دُونَ وَقْتٍ قَالَ الْأَشْرَفُ: الْمُشَارُ إِلَيْهِ إِمَّا تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ أَيْ تَكْفِيرُ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّغَائِرَ لَا يَخْتَصُّ بِفَرْضٍ وَاحِدٍ، بَلْ فَرَائِضُ الدَّهْرِ تُكَفِّرُ صَغَائِرَهُ، وَأَمَّا مَعْنَى مَا لَمْ يُؤْتِ أَيْ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِالْكَبِيرَةِ فِي الدَّهْرِ كُلِّهِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْمَكْتُوبَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَأَمَّا مَا قِيلَ أَيِ الْمَكْتُوبَةُ تُكَفِّرُ مَا قَبْلَهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ذُنُوبُ الْعُمْرِ، وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا وَرَدَ: ( «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» ) وَانْتَصَبَ الدَّهْرُ بِالظَّرْفِيَّةِ أَيْ: وَذَلِكَ مُسْتَمِرٌّ فِي جَمِيعِ الدَّهْرِ.
قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ: كَفَّارَةٌ لِمَا قَبْلَهَا إِلَخْ، أَنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا تُغْفَرُ إِلَّا الْكَبَائِرَ فَإِنَّهَا لَا تُغْفَرُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ الذُّنُوبَ تُغْفَرُ مَا لَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا يُغْفَرُ شَيْءٌ مِنَ الصَّغَائِرِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَلَا يُذْهَبُ إِلَيْهِ.
وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَا أَشْبَهَهُ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وُجِدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنَ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً وَلَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً يَعْنِي غَيْرَ مُكَفَّرَةٍ رَجَوْنَا أَنْ يُخَفَّفَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَإِلَّا كُتِبَ لَهُ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَ بِهِ دَرَجَاتٌ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَقَوْلُ الْأَشْرَفِ: أَيِ الْمَكْتُوبَةُ تُكَفِّرُ مَا قَبْلَهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ذُنُوبُ الْعُمْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَتَأَمَّلْهُ.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

✩✩✩✩✩✩✩

287 – وَعَنْهُ، أَنَّهُ «تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا.
ثُمَّ قَالَ: (مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيْءٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ.

287 – (وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ عُثْمَانَ (أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ) : مِنَ الْإِفْرَاغِ عُطِفَ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ عَلَى الْمُبَيَّنِ أَيْ: صَبَّ الْمَاءَ (عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا) : أَيْ: فَغَسَلَهُمَا إِلَى رُسْغَيْهِ (ثُمَّ تَمَضْمَضَ) : أَيْ: رَدَّدَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ (وَاسْتَنْثَرَ) ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْثَارَ هُوَ إِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنَ الْأَنْفِ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ، وَهُوَ جَذْبُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إِلَى الْأَقْصَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى اسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّثْرَةِ طَرَفِ الْأَنْفِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمُسْتَوْعِبَةِ لِلْعُضْوِ، وَإِذَا لَمْ يُسْتَوْعَبْ إِلَّا بِغُرْفَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يُذْكَرِ الْعَدَدُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ، فَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ اهـ.
وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَلِأَنَّ تَكْرَارَ الْمَسْحِ يُفْضِي إِلَى الْغُسْلِ.
(ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا) : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِكُلٍّ مِنَ الثَّلَاثَةِ (ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَضُبِطَ بِالْعَكْسِ أَيْضًا (ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا: مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّيَامُنِ، وَإِلَى بِمَعْنَى (مَعَ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ) : أَيْ: بَعْضَهُ أَوْ كُلَّهُ وَالظَّاهِرُ الْأَخِيرُ (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلَاثًا، وَلَيْسَتْ ثُمَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِلتَّرَاخِي الْمُنَافِي لِلْمُوَالَاةِ، بَلْ لِمُجَرَّدِ التَّعْقِيبِ (ثُمَّ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا» ) : لَمْ يَقُلْ مِثْلَهُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ مُمَاثَلَةِ وُضُوئِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ.
هَذَا كَلَامُ النَّوَوِيِّ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَعَقُّبِهِ بِقَوْلِهِ.
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا» ) أَيْ مِثْلَهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ فِي شَيْءٍ الْمُمَاثَلَةُ فِي جَمِيعِ أَوْصَافِهِ اهـ.
وَهُوَ غَيْرُ صَرِيحٍ، بَلْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ كَلَامَ النَّوَوِيِّ إِنَّهُ آثَرَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَفْظَ نَحْوِهِ عَلَى مِثْلِهِ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى نَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِخِلَافِ مِثْلِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ فِي الْأَغْلَبِ سِيَّمَا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّهُ إِذَا قِيلَ رُوِيَ مِثْلُهُ أَيْ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَإِذَا قِيلَ: رُوِيَ نَحْوُهُ أَيْ مَعْنًى لَا لَفْظًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا لَيْسَ الْمُرَادُ إِلَّا نَحْوَهُ بِالْإِجْمَاعِ فَتَقْدِيرُ مِثْلِهِ مِنْهُ مَرْدُودٌ بِلَا نِزَاعٍ فَإِنَّ عُثْمَانَ مَعَ جَلَالَتِهِ إِذَا عَجَزَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ فَيَرْضَى كُلُّ أَحَدٍ أَنْ يَأْتِيَ بِنَحْوِهِ فَإِنَّ الْإِحَاطَةَ بِجَمِيعِ سُنَنِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَعِزُّ عَلَى أَكْثَرِ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ، فَضْلًا عَنِ الْعَوَامِّ وَالسُّوقَةِ.
(ثُمَّ قَالَ) : أَيِ: النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حِينَ فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ ( «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا» ) أَيْ جَامِعًا لِفَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ (ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) : فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ عَقِيبَ كُلِّ وُضُوءٍ وَلَوْ صَلَّى فَرِيضَةً حَصُلَتْ لَهُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ كَمَا تَحْصُلُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بِذَلِكَ (لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ) : أَيْ: لَا يُكَلِّمُهَا (فِيهِمَا بِشَيْءٍ) مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ، وَلَوْ عَرَضَ لَهُ حَدِيثٌ فَأُعْرِضَ عَنْهُ عُفِيَ لَهُ ذَلِكَ وَحَصُلَتْ لَهُ الْفَضِيلَةُ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَفَا عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْخَوَاطِرَ الَّتِي تَعْرِضُ وَلَا تَسْتَقِرُّ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ.
وَقِيلَ: أَيْ بِشَيْءٍ غَيْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ صَلَاتِهِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْآخِرَةِ وَقِيلَ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يُجَهِّزُ الْجَيْشَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ يَعْنِي يَكُونُ قَلْبُهُ حَاضِرًا وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِخْلَاصُ الصَّلَاةِ لِلَّهِ يَعْنِي لَا تَكُونُ صَلَاتُهُ لِلرِّيَاءِ وَالطَّمَعِ (غُفِرَ لَهُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) : أَيْ: مِنَ الصَّغَائِرِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْغُفْرَانَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْوُضُوءِ مَعَ الصَّلَاةِ.
وَمِنَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ تَرَتُّبُهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْوُضُوءِ لِمَزِيدِ فَضْلِهِ.
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ.
وَفِيهِ أَنَّ لِلصَّلَاةِ مَزِيَّةً عَلَى الْوُضُوءِ دُونَ الْعَكْسِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مُقَرَّرٌ، فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ وَشَرْطٌ لَهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُكَفِّرٌ أَوِ الْوُضُوءُ الْمُجَرَّدُ مُكَفِّرٌ لِذُنُوبِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَمَعَ الصَّلَاةِ مُكَفِّرٌ لِذُنُوبِ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، أَوِ الْوُضُوءُ مُكَفِّرٌ لِلذُّنُوبِ الظَّاهِرَةِ، وَمَعَ الصَّلَاةِ مُكَفِّرٌ لِلذُّنُوبِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ) .

✩✩✩✩✩✩✩

288 – وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلًا عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» ) .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

288 – (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ» ) : أَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ: أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ بِوَاجِبَاتِهِ وَيَحْتَمِلَ مُكَمِّلَاتِهِ اهـ.
فَإِنَّ إِحْسَانَ الْوُضُوءِ بَعْدَ التَّوَضُّؤِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُكَمِّلَاتِ مَعَ أَنَّ فِي لَفْظِهِ الْإِحْسَانَ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ وَإِشَارَةٌ إِلَيْهِ (ثُمَّ يَقُومُ) : أَيْ: حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا سِيَّمَا إِذَا كَانَ يُعْذَرُ فَإِطْلَاقُهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ لَا أَنَّهُ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ، وَثُمَّ لِلتَّرَقِّي (فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا) : أَيْ: عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ (بِقَلْبِهِ) : أَيْ: بَاطِنِهِ (وَوَجْهِهِ) : أَيْ ظَاهِرِهِ أَوْ ذَاتِهِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: مُقْبِلٌ، وُجِدَ بِالرَّفْعِ فِي الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُقْبِلًا مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ يَعْنِي حَالَ كَوْنِهِ مُتَوَجِّهًا، وَكَوْنُهُ مَرْفُوعًا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إِمَّا صِفَةٌ لِمُسْلِمٍ عَلَى أَنَّ مِنْ زَائِدَةٌ فَفِيهِ فَصْلٌ، وَإِمَّا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ، وَهُوَ أَيْضًا بَعِيدٌ لِعَدَمِ الْوَاوِ إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ مِنْ قَبِيلِ فُوهٍ إِلَى فِي، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ مِنْ بَابِ التَّجْرِيدِ مُبَالَغَةً اهـ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ صِفَةُ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ الْفَصْلُ أَجْنَبِيًّا (إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) أَيْ: إِنَّهُ تَعَالَى يُدْخِلُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ بِحَيْثُ لَا يُخَالِفُ وَعْدَهُ أَلْبَتَّةَ كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

✩✩✩✩✩✩✩

289 – وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ – أَوْ فَيُسْبِغُ – الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ – وَفِي رِوَايَةٍ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» .
هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحِمْيَرِيُّ فِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ.
وَكَذَا ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي آخِرِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ، وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ» .
وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الصِّحَاحِ: ( «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ» ) إِلَى آخِرِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي (جَامِعِهِ) بِعَيْنِهِ إِلَّا كَلِمَةَ (أَشْهَدُ) فِي (أَنَّ مُحَمَّدًا) .

Transform Your Home Into a Cash Machine

289 – (وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) : رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا مِنْكُمْ) : مِنْ بَيَانِيَّةٌ، وَقِيلَ تَبْعِيضِيَّةٌ وَهُوَ حَالٌ عَلَى ضَعْفٍ (مِنْ أَحَدٍ) : الَّذِي هُوَ مُبْتَدَأٌ عَلَى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ، وَمِنْ زَائِدَةٌ (يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ) : مِنَ الْإِبْلَاغِ (- أَوْ فَيُسْبِغُ -) : مِنَ الْإِسْبَاغِ، وَهُوَ لِلشَّكِّ (الْوَضُوءَ) : بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَقِيلَ بِالضَّمِّ أَيْ: مَاءُ الْوُضُوءِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ هُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: أَنْ يَأْتِيَ بِوَاجِبَاتِهِ وَيَحْتَمِلَ مُكَمِّلَاتِهِ اهـ.
لِأَنَّ عَطْفَ الْإِبْلَاغِ وَالْإِسْبَاغِ عَلَى التَّوَضُّؤِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِرَادَةِ الْمُكَمِّلَاتِ فَإِنَّ أَصْلَ الْوُضُوءِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْوَاجِبَاتِ (ثُمَّ يَقُولُ) : أَيْ: عَقِيبَ وُضُوئِهِ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُ الشَّهَادَتَيْنِ عُقَيْبِ الْوُضُوءِ إِشَارَةٌ إِلَى إِخْلَاصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَطَهَارَةُ الْقَلْبِ مِنَ الشِّرْكِ وَالرِّيَاءِ بَعْدَ طَهَارَةِ الْأَعْضَاءِ مِنَ الْحَدَثِ وَالْخُبْثِ.
قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ عَقِيبَ الْوُضُوءِ كَلِمَتَا الشَّهَادَةِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِمَا مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيُّ ( «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ» ) وَيُضَمُّ إِلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَرْفُوعًا: ( «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» ) قَالَ أَصْحَابُنَا: وَتُسْتَحَبُّ هَذِهِ الْأَذْكَارُ لِلْمُغْتَسِلِ أَيْضًا اهـ.
(وَفِي رِوَايَةٍ) : أَيْ: لِمُسْلِمٍ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ) : أَيْ: وَاحِدًا بِالذَّاتِ مُنْفَرِدًا بِالصِّفَاتِ (لَا شَرِيكَ لَهُ) فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ (وَأَشْهَدُ) : وَلَعَلَّ تَكْرَارَهُ هُنَا لِطُولِ الْفَصْلِ (أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ) الْأَفْضَلُ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالْحُمَيْدِيُّ فِي (أَفْرَادِ مُسْلِمٍ) وَكَذَا ابْنُ الْأَثِيرِ فِي (جَامِعِ الْأُصُولِ) وَذَكَرَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي آخِرِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ، وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ ( «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ» ) .
وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الصِّحَاحِ: ( «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ» ) إِلَى آخِرِهِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي (جَامِعِهِ) بِعَيْنِهِ إِلَّا كَلِمَةَ (أَشْهَدُ) قَبْلَ (أَنَّ مُحَمَّدًا) (وَرَسُولُهُ) : الْأَكْمَلُ (إِلَّا فُتِحَتْ) : بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ (لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ) : بِالرَّفْعِ (يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ) : الْأَظْهَرُ أَنَّهَا اسْتِئْنَافِيَّةٌ لِصِحَّةِ قِيَامِ ” لِيَدْخُلَ ” مَقَامَهَا.
قِيلَ: فَيُخَيَّرُ إِظْهَارًا لِمَزِيدِ شَرَفِهِ، لَكِنَّهُ لَا يُلْهَمُ إِلَّا اخْتِيَارَ الدُّخُولِ مِنَ الْبَابِ الْمُعَدِّ لِعَامِلِي نَظِيرِ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِ كَالرَّيَّانِ لِلصَّائِمِينَ.
(هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالْحُمَيْدِيُّ فِي إِفْرَادِ مُسْلِمٍ وَكَذَا ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ.
(وَذَكَرَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ) : لَا يُنَافِي مَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَجْعَلُ فِي حِلٍّ مَنْ يُسَمِّينِي مُحْيِي الدِّينِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّوَاضُعِ (النَّوَوِيُّ) : بِوَاوَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُونَ النَّوَاوِيُّ بِالْأَلِفِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى نَوَى قَرْيَةٌ قُرْبَ دِمَشْقَ كَذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (فِي آخِرِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ) : مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَقِيلَ مَجْهُولٌ أَيْ: عَلَى وَقْفِهِ (وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ) هَذَا مَذْكُورُ النَّوَوِيِّ ( «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ» ) : أَيْ: لِلذُّنُوبِ وَالرَّاجِعِينَ عَنِ الْعُيُوبِ، وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءً صَرِيحًا وَلَا لُزُومًا بِإِكْثَارِ وُقُوعِ الذُّنُوبِ مِنْهُ، بَلْ بِأَنَّهُ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ ذَنْبٌ أُلْهِمَ التَّوْبَةَ عَنْهُ، وَإِنْ كَثُرَ وَفِيهِ تَعْلِيمٌ لِلْأُمَّةِ كَمَا وَرَدَ: «كُلُّكُمْ خَطَّاءُونَ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» .
وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: 222] أَيِ الَّذِينَ لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ بَابِ مَوْلَاهُمْ، وَلَمْ يَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ( «وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ» ) : أَيْ: بِالْخَلَاصِ مِنْ تَبِعَاتِ الذُّنُوبِ السَّابِقَةِ، وَعَنِ التَّلَوُّثِ بِالسَّيِّئَاتِ اللَّاحِقَةِ، أَوْ مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، فَيَكُونُ فِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ طَهَارَةَ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ لَمَّا كَانَتْ بِيَدِنَا طَهَّرْنَاهَا، وَأَمَّا طَهَارَةُ الْأَحْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَإِنَّمَا هِيَ بِيَدِكَ فَأَنْتَ تُطَهِّرُهَا بِفَضْلِكَ وَكَرَمِكَ.
(وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُحْيِي السُّنَّةِ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (فِي الصِّحَاحِ) ( «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ» إِلَى آخِرِهِ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، ثُمَّ قَالَ: ( «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» رَوَاهُ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ كَذَا فِي الْمَصَابِيحِ اهـ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِعَيْنِهِ إِلَّا كَلِمَةَ ” أَشْهَدُ ” قَبْلَ أَنَّ مُحَمَّدًا) وَالْحَاصِلُ وُرُودُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ حَيْثُ ذَكَرَ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ فِي الصِّحَاحِ لِإِيهَامِهَا أَنَّهُ كُلَّهُ فِي أَحَدِ الصَّحِيحَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
قَالَ فِي الْأَزْهَارِ هَذَا حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ وَمُنْقَطِعٌ، وَإِلْحَاقُ الضَّعِيفِ بِالصَّحِيحِ غَيْرُ مَقْبُولٍ مَعَ تَغْيِيرِ الْعِبَارَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى.

✩✩✩✩✩✩✩

290 – وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ.
فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

Develop Your Financial IQ specific

290 – (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِنَّ أُمَّتِي) : يَعْنِي أُمَّةَ الْإِجَابَةِ بَلِ الْخَوَاصَّ مِنْهُمْ وَهُمْ أَهْلُ الْعِبَادَةِ (يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ: يُسَمَّوْنَ (غُرًّا مُحَجَّلِينَ) وَقِيلَ يُنَادَوْنَ: أَيُّهَا الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ هَلُمُّوا إِلَى الْجَنَّةِ، وَقِيلَ يُدْعَوْنَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، أَوْ يُطْلَبُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ أَوْ إِلَى الْجَنَّةِ حَالَ كَوْنِهِمْ غُرًّا مُحَجَّلِينَ.
قَالَ الْأَشْرَفُ: الْغُرُّ جَمْعُ الْأَغَرِّ وَهُوَ الْأَبْيَضُ الْوَجْهِ، وَالْمُحَجَّلُ مِنَ الدَّوَابِّ الَّتِي قَوَائِمُهَا بِيضٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَجَلِ، وَهُوَ الْقَيْدُ كَأَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِالْبَيَاضِ، وَأَصْلُ هَذَا فِي الْخَيْلِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ إِذَا دُعُوا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ أَوْ إِلَى الْجَنَّةِ كَانُوا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَانْتِصَابُهُمَا عَلَى الْحَالِ إِذَا كَانَ يُدْعَوْنَ بِمَعْنَى يُنَادَوْنَ أَوْ يُطْلَبُونَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غُرًّا مَفْعُولًا ثَانِيًا لِيُدْعَوْنَ بِمَعْنَى يُسَمَّوْنَ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ يُدْعَى لَيْثًا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ بِهَذَا الِاسْمِ لِمَا يُرَى عَلَيْهِمْ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ وَالْمَعْنَى هُوَ الْأَوَّلُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( «يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ» ) لِأَنَّهَا الْعَلَامَةُ الْفَارِقَةُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَسَائِرِ الْأُمَمِ وَقِيلَ: لَا يَبْعُدُ التَّسْمِيَةُ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ الظَّاهِرِ كَمَا يُسَمَّى رَجُلٌ بِهِ حُمْرَةٌ أَحْمَرُ لِلْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُوَ الشُّهْرَةُ وَالتَّمْيِيزُ ( «مِنْ آثَارِ الْوَضُوءِ» ) : بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي وَصَلَ إِلَى أَعْضَاءِ الْمُتَوَضِّئِ، وَقِيلَ بِالضَّمِّ قَالَ فِي الْأَزْهَارِ: وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، وَلَكِنَّ الْفَتْحَ هُوَ أَصْلُ السَّيِّدِ وَهُوَ أَظْهَرُ مَعْنًى ( «فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ» ) : أَيْ: وَتَحْجِيلَهُ بِإِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَحُذِفَ اكْتِفَاءً (فَلْيَفْعَلْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: قَوْلُهُ: فَمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَخْ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامٍ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ اهـ.
وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَا أَدْرِي قَوْلَهُ: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَخْ.
مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِمَّنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ عَشْرَةٌ وَلَا مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرَ رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ هَذِهِ وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَدَعْوَى أَنَّ: فَمِنْ إِلَخْ، مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَا يَسُنُّ غُرَّةً وَلَا تَحْجِيلَ، يَرُدُّهَا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِدْرَاجِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ إِذْ لَوْ كَانَ ثَمَّةَ إِدْرَاجٍ لَبَيَّنَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي طَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ وَاحْتِمَالُهُ لَا يُجْدِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ كَلَامَ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ تَحَقُّقٌ مِنَ اصْطِلَاحِ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ الْمُسْتَدِلِّينَ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ قَوْلِهِ: فَمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَخْ.
مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَسُنَّ غُرَّةً وَلَا تَحْجِيلَ فَإِنَّ اسْتِحْبَابَهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( «يُدْعَوْنَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ» ) وَيُعْلَمُ إِطَالَتُهُ مِنَ الْحَدِيثِ الْآتِي.
وَأَمَا ثَانِيًا فَلِأَنَّ حُفَّاظَ الْحَدِيثِ إِذَا قَالُوا فِي كَلَامٍ أَنَّهُ مُدْرَجٌ أَوْ مَوْقُوفٌ وَجَبَ عَلَى الْفُقَهَاءِ مُتَابَعَتُهُمْ، بَلْ إِذَا تَرَدَّدُوا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ أَوْ مَرْفُوعٌ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ مَرْفُوعًا مَجْزُومًا بِهِ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ الْفِقْهِيَّةَ، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: لَبَيَّنَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، غَيْرُ مُتَّجِهٍ إِذِ الْكَلَامُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِ، فَكَيْفَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ قَوْلُهُ أَوْ قَوْلُ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا بَيَّنَهُ مَنْ بَعْدَهُ، وَيَكْفِي تَرَدُّدُ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَهُوَ نُعَيْمٌ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِ مَوْقُوفًا أَوْ مَرْفُوعًا، مَعَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ شُذُوذِهِ وَانْفِرَادِهِ عَمَّنْ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ سَائِرِ الطُّرُقِ الْوَاصِلَةِ إِلَى حَدِّ الْعَشَرَةِ الْكَامِلَةِ.
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

✩✩✩✩✩✩✩

291 – وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنَ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ» ) .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

pregnancy nutrition

291 – (وَعَنْهُ) : أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ) : أَيِ: الْبَيَاضُ، وَقِيلَ الزِّينَةُ فِي الْجَنَّةِ ( «مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ» ) : بِالْفَتْحِ أَيْ: مَاؤُهُ، وَقِيلَ بِالضَّمِّ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: ضُمِّنَ ” يَبْلُغُ ” مَعْنَى ” يَتَمَكَّنُ ” وَعُدِّيَ بِمِنْ أَيْ تَتَمَكَّنُ مِنَ الْمُؤْمِنَ الْحِلْيَةُ مَبْلَغًا يَتَمَكَّنُهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: قَدِ اسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ الْوُضُوءُ مُخْتَصًّا وَإِنَّمَا الْمُخْتَصُّ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( «هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» ) وَرُدَّ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ مَعْرُوفُ الضَّعْفِ، عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ اخْتِصَاصَ الْأَنْبِيَاءِ دُونَ الْأُمَمِ، لَكِنْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ سَارَةَ وَجُرَيْجًا تَوَضَّأَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَخْتَصَّ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَهَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُمَمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

✩✩✩✩✩✩✩

**********
الْفَصْلُ الثَّانِي
**********
292 – عَنْ ثَوْبَانَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – (اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ) رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.

**********
الْفَصْلُ الثَّانِي
**********
292 – (عَنْ ثَوْبَانَ) : مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ ثَوْبَانُ بْنُ بُجْدُدٍ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، اشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَعْتَقَهُ وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ سَفَرًا وَحَضَرًا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَنَزَلَ إِلَى الرَّمْلَةِ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى حِمْصَ وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – اسْتَقِيمُوا) : قَالَ الْقَاضِي: الِاسْتِقَامَةُ اتِّبَاعُ الْحَقِّ وَالْقِيَامُ بِالْعَدْلِ وَمُلَازِمَةُ الْمَنْهَجِ الْمُسْتَقِيمِ وَذَلِكَ خَطْبٌ جَسِيمٌ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْأَمْرُ بِالْمُسْتَطَاعِ مِنْهُ قَالَ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ (وَلَنْ تُحْصُوا) : أَيْ: لَنْ تُطِيقُوا أَنْ تَسْتَقِيمُوا حَقَّ الِاسْتِقَامَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ خَطْبٌ عَظِيمٌ وَتَوْفِيَةُ حَقِّهَا عَلَى الدَّوَامِ عُسْرٌ، وَكَانَ الْقَصْدُ فِيهِ التَّنْبِيهَ لِلْمُكَلَّفِينَ عَلَى رُؤْيَةِ التَّقْصِيرِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَتَحْرِيضِهِمْ عَلَى الْجِدِّ لِكَيْلَا يَتَّكِلُوا عَلَى مَا يَأْتُونَ بِهِ وَلَا يَغْفَلُونَ عَنْهُ، وَلَا يَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَتِهِ فِيمَا يَذَرُونَ عَجْزًا لَا تَقْصِيرًا، وَقِيلَ: لَنْ تُحْصُوا أَيْ ثَوَابَهَا مِنَ الْإِحْصَاءِ وَهُوَ الْعَدُّ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: الْإِحْصَاءُ التَّحْصِيلُ بِالْعَدِّ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَصَى لِاسْتِعْمَالِهِمْ ذَلِكَ فِيهِ كَاعْتِمَادِنَا عَلَى الْأَصَابِعِ اهـ.
وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَنْ تُطِيقُوا وَلَكِنِ ابْذُلُوا جُهْدَكُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ بِقَدْرِ مَا تُطِيقُونَ، وَهُوَ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفِينَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَبْذُلُ جُهْدَهُ يَصِلُ إِلَى غَايَتِهَا (وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ) أَيْ أَفْضَلُهَا وَأَتَمُّهَا دَلَالَةً عَلَى الِاسْتِقَامَةِ (الصَّلَاةُ) : أَيِ: الْمَكْتُوبَةُ: أَوْ جِنْسُهَا لِأَنَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ عِبَادَةٍ شَيْئًا كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَتَرْكِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهِيَ أُمُّ الْعِبَادَاتِ وَنَاهِيَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ (وَلَا يُحَافِظُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: جُمْلَةٌ تَذْيِيلِيَّةٌ أَيْ لَا يُوَاظِبُ (عَلَى الْوُضُوءِ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَشْمَلَ حَالَةَ النَّوْمِ (إِلَّا مُؤْمِنٌ) : الْمُرَادُ الْجِنْسُ وَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ أَيْ: لَا يُدَاوِمُ عَلَيْهِ إِلَّا مُؤْمِنٌ كَامِلٌ فِي إِيمَانِهِ دَائِمُ الشُّهُودِ بِقَلْبِهِ وَبَدَنِهِ فِي حَضْرَةِ رَبِّهِ، لِأَنَّ الْحُضُورَ فِي الْحَضْرَةِ الْقُدْسِيَّةِ بِدُونِ الطَّهَارَةِ الْحِسِّيَّةِ بَعِيدٌ مِنَ الْآدَابِ، بَلْ صَاحِبُهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُطْرَدَ مِنَ الْبَابِ (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ ثَوْبَانَ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو، وَالطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُبَادَةَ وَلَفْظُهُمَا: ( «اسْتَقِيمُوا وَنِعِمَّا إِنِ اسْتَقَمْتُمْ وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ» ) الْحَدِيثَ.

✩✩✩✩✩✩✩

293 – وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ، كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

You Can Do It

293 – (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ، كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ مُسْتَحَبٌّ إِذَا كَانَ قَدْ صَلَّى بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ صَلَاةً وَكَرِهَهُ قَوْمٌ إِذَا لَمْ يُصَلِّ بِالْأَوَّلِ صَلَاةً ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا يُسْتَحَبُّ قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي مَعْنَاهَا الطَّوَافَ وَالتِّلَاوَةَ، وَلَعَلَّ سَبَبَ الْكَرَاهَةِ هُوَ الْإِسْرَافُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) وَقَالَ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

✩✩✩✩✩✩✩

**********
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
**********
294 – عَنْ جَابِرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – (مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ الصَّلَاةُ وَمِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ) رَوَاهُ أَحْمَدُ.

**********
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
**********
294 – (عَنْ جَابِرٍ) – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ الصَّلَاةُ» ) أَيْ: مِفْتَاحُ دَرَجَاتِهَا وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِفْتَاحَهَا كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ ( «وَمِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ» ) : بِالضَّمِّ وَيُفْتَحُ أَيْ: مِفْتَاحُهَا الْأَعْظَمُ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ: فَكَمَا لَا تَتَأَتَّى الصَّلَاةُ بِدُونِ الْوُضُوءِ كَذَلِكَ لَا يَتَهَيَّأُ دُخُولُ الْجَنَّةِ بِدُونِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يُكَفِّرُ تَارِكَ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا الْفَارِقَةُ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ حَثٌّ عَلَيْهَا وَأَنَّهَا مِمَّا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا قَطُّ فَإِنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَوَّلًا مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ عَذَابٍ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَقَالَ مِيرَكُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ.
قُلْتُ: وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

✩✩✩✩✩✩✩

295 – وَعَنْ شَبِيبِ بْنِ أَبِي رَوْحٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – «عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقَرَأَ الرُّومَ فَالْتَبَسَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُصَلُّونَ مَعَنَا لَا يُحْسِنُونَ الطَّهُورَ؟ ! وَإِنَّمَا يُلَبِّسُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ أُولَئِكَ» .
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

Simple Habits of Greatness

295 – (وَعَنْ شَبِيبِ بْنِ أَبِي رَوْحٍ) : وَفِي نُسْخَةٍ: بِدُونِ ابْنٍ قَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ أَبُو رَوْحٍ شَبِيبُ بْنُ نُعَيْمٍ، وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي رَوْحٍ، وُحَاظِيٌّ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ مِنْ تَابِعِي الشَّامِيِّينَ، رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ مَعَ قِلَّتِهِ، وَرَوْحٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَنُعَيْمٌ بِضَمِّ النُّونِ اهـ.
وَشَبِيبٌ كَحَبِيبٍ، وَفِي التَّقْرِيبِ شَبِيبُ بْنُ نُعَيْمٍ أَبُو رَوْحٍ، ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ، وَأَخْطَأَ مَنْ عَدَّهُ فِي الصَّحَابَةِ اهـ.
وَالْعَجَبُ مِنَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي أَسْمَائِهِ لَا فِي التَّابِعِينَ وَلَا فِي الصَّحَابَةِ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ، وَلِذَا جَهَالَتُهُ لَا تَضُرُّ رِوَايَتَهُ، وَقَالَ مِيرَكُ اسْمُهُ أَغَرُّ الْغِفَارِيُّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقَرَأَ) : أَيْ: فِيهَا (الرُّومَ) : أَيْ: سُورَةَ الرُّومِ كُلِّهَا أَوْ بِضْعِهَا فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ (فَالْتَبَسَ) : أَيِ: الْقُرْآنُ أَوِ الرُّومُ يَعْنِي قِرَاءَتَهُ اشْتَبَهَتْ (عَلَيْهِ فَلَمَّا صَلَّى) : أَيْ: فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ (قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ) : أَيْ: مَا حَالُ جَمَاعَاتٍ ( «يُصَلُّونَ مَعَنَا لَا يُحْسِنُونَ الطُّهُورَ» ؟) بِالضَّمِّ وَيُفْتَحُ أَيْ: لَا يَأْتُونَ بِوَاجِبَاتِهِ وَسُنَنِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى إِحْسَانِ الْوُضُوءِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ السُّنَنَ وَالْآدَابَ مُكْمِلَاتٌ لِلْوَاجِبِ يُرْجَى بَرَكَتُهَا، وَفِي فُقْدَانِهَا سَدُّ بَابِ الْفُتُوحَاتِ الْغَيْبِيَّةِ، وَإِنَّ بَرَكَتَهَا تَسْرِي إِلَى الْغَيْرِ كَمَا أَنَّ التَّقْصِيرَ فِيهَا يَتَعَدَّى إِلَى حِرْمَانِ الْغَيْرِ.
تَأَمَّلْ أَيُّهَا النَّاظِرُ إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَتَأَثَّرُ مِنْ مِثْلِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ، فَكَيْفَ بِالْغَيْرِ مِنْ صُحْبَةِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ؟ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَرَزَقَنَا صُحْبَةَ الصَّالِحِينَ (وَإِنَّمَا يُلَبِّسُ) : بِالتَّشْدِيدِ (عَلَيْنَا الْقُرْآنَ) : أَيْ: يَخْلِطُهُ وَيُغَلِّطُهُ (أُولَئِكَ) : أَيِ: الَّذِينَ لَا يُحْسِنُونَ الطُّهُورَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ.
(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

✩✩✩✩✩✩✩

296 – وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ: عَدَّهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي يَدِي – أَوْ فِي يَدِهِ قَالَ: ( «التَّسْبِيحُ نِصْفُ الْمِيزَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ يَمْلَؤُهُ، وَالتَّكْبِيرُ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ، وَالطُّهُورُ نِصْفُ الْإِيمَانِ» ) .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

You Can Do It

296 – (وَعَنْ رَجُلٍ) : أَيْ: مِنَ الصَّحَابَةِ (مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ) : مُصَغَّرًا (قَالَ: عَدَّهُنَّ) : أَيِ الْخِصَالَ الْآتِيَةَ، فَهُوَ ضَمِيرٌ مُبْهَمٌ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: 29] وَالْمُفَسِّرُ هُنَا قَوْلُهُ: التَّسْبِيحُ إِلَخْ.
(رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي يَدِي) أَيْ: أَخَذَ أَصَابِعَ يَدِي، وَجَعَلَ يَعْقِدُهَا فِي الْكَفِّ خَمْسَ مَرَّاتٍ عَلَى عَدِّ الْخِصَالِ لِمَزِيدِ التَّفْهِيمِ وَالِاسْتِحْضَارِ (أَوْ فِي يَدِهِ) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (قَالَ) : أَيِ: النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَيَجُوزُ رَجْعُهُ إِلَى الرَّاوِي تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ الْمُبْهَمِ (التَّسْبِيحُ) : أَيْ: ثَوَابُهُ أَوْ نَفْسُهُ بِاعْتِبَارِ جِسْمِهِ ( «نِصْفُ الْمِيزَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُهُ» ) بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ أَيِ: الْمِيزَانُ كُلُّهُ أَوْ نِصْفُهُ الْآخَرُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: جُعِلَ الْحَمْدُ ضِعْفُ التَّسْبِيحِ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ مِنَ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ، وَالتَّسْبِيحُ مِنَ السَّلْبِيَّةِ (وَالتَّكْبِيرُ يَمْلَأُ) : بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ (مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) : أَيْ: جِنْسَيْهِمَا يَعْنِي ثَوَابَهُ أَنْ قُدِّرَ جِسْمًا يَمْلَأُهُمَا.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: التَّكْبِيرُ أَنْ يَنْفِيَ عَنِ الْغَيْرِ صِفَةَ الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، لِأَنَّ ” أَفْعَلَ ” مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَالْكِبْرِيَاءُ مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ تَعَالَى فَيَمْتَلِئُ الْعَارِفُ عِنْدَ ذَلِكَ هَيْبَةً وَجَلَالًا فَلَا يَنْظُرُ إِلَى مَا سِوَاهُ اهـ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُشَاهِدُ كِبْرِيَاءَهُ فِي الْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ ( «وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ» ) : وَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَةِ فَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ أَوِ الْمُصِيبَةِ أَوِ الصَّوْمُ صَبْرٌ عَنِ الْحَلْقِ وَالْفَرْجِ، فَبَقِي نِصْفُهُ الْآخَرُ مِنَ الصَّبْرِ عَنْ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَلَا يَظْهَرُ وَجْهُ مَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَانَ وَجْهُهُ أَنَّ الصَّبْرَ إِمَّا بِالْبَاطِنِ وَإِمَّا بِالظَّاهِرِ، وَالصَّوْمُ جَامِعٌ لِصَبْرِ الْبَاطِنِ بِحِفْظِهِ عَنْ تَعَاطِي أَكْثَرِ الشَّهَوَاتِ، فَجُعِلَ نِصْفًا لِذَلِكَ اهـ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّبْرَ مِنْ أَحْوَالِ الْبَاطِنِ لَا غَيْرَ ( «وَالطَّهُورُ نِصْفُ الْإِيمَانِ» ) : وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلشَّطْرِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

✩✩✩✩✩✩✩

297 – وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَمَضْمَضَ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ.
وَإِذَا اسْتَنْثَرَ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ وَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ.
فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ.
فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ.
فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً لَهُ» ) رَوَاهُ مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ.

golf336

297 – وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ: بِضَمِّ الصَّادِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، مَنْسُوبٌ إِلَى صُنَابِحِ بْنِ ظَاهِرٍ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ، وَحَدِيثُهُ أَنَّهُ هَاجَرَ مِنْ قَبْلِ وَفَاةِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَوَصَلَ إِلَى الْجَحْفَةِ فَبَلَغَتْهُ وَفَاتُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالْمَعْرُوفُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْكُنَى وَغَيْرِهَا فِي نَسَبِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ، وَعُسَيْلَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ فَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ سُكُونِ الْيَاءِ، كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: قِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عِنْدِي أَنَّ الصُّنَابِحِيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّابِعِيُّ لَا الصَّحَابِيُّ.
قَالَ: وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الصَّحَابَةِ، وَالصُّنَابِحِيُّ قَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ اهـ.
قَالَ: وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ، لَيْسَ لَهُ سَمَاعٌ مِنَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ وَيُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اهـ.
فَتَحَصَّلَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ تَابِعِيُّ، فَكَانَ حَقُّ الْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقُولَ: مُرْسَلًا (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ) : أَيْ: أَرَادَ الْوُضُوءَ (فَمَضْمَضَ) أَيْ: غَسَلَ فَمَهُ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ الْمَضْمَضَةُ الْمَصْمَصَةُ، وَقِيلَ الْمُهْمَلَةُ بِطَرَفِ اللِّسَانِ وَالْمُعْجَمَةُ بِالْفَمِ كُلِّهِ وَفِي الْقَامُوسِ الْمَضْمَضَةُ أَيْ بِالْمُعْجَمَةِ تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، فَزِيَادَةُ النُّقْطَةِ لِإِفَادَةِ النُّكْتَةِ، فَالتَّعْبِيرُ بِالْمَضْمَضَةِ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّطْهِيرِ (خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ) : أَيْ: بَعْضُ الْخَطَايَا أَوِ الْخَطَايَا الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفَمِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالصَّغَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا اسْتَنْثَرَ) : أَيْ: غَسَلَ أَنْفَهُ وَبَالَغَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ قَالَ الطِّيبِيُّ: خُصَّ الِاسْتِنْثَارُ لِأَنَّ الْقَصْدَ خُرُوجُ الْخَطَايَا وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلِاسْتِنْثَارِ لِأَنَّهُ إِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ أَقْصَى الْأَنْفِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَخْدِشُهُ التَّعْبِيرُ بِالْمَضْمَضَةِ وَهِيَ لَا تَسْتَلْزِمُ إِخْرَاجَ مَاءٍ لِحُصُولِ أَصْلِ سُنَّتِهَا وَإِنِ ابْتَلَعَهُ فَيُسْتَفَادُ مِنْهَا حُصُولُ التَّكْفِيرِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ، وَكَذَا الِاسْتِنْشَاقُ فَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِنْثَارِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِأَنَّهُ الْغَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ الِاسْتِنْشَاقِ، إِذْ هُوَ إِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ أَقْصَى الْأَنْفِ الْمُسْتَلْزِمِ لِمَزِيدِ تَنْظِيفِهِ مِنْ أَقْذَارِهِ الَّتِي لَا يُسْتَقْصَى إِخْرَاجُهَا كُلُّهَا إِلَّا بِهِ اهـ.
وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ كَلَامَ الطِّيبِيِّ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ، بَلْ هُوَ عَيْنُهُ مَعَ زِيَادَةِ النُّكْتَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلْمَقَامِ، وَلَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَضْمَضَةِ إِخْرَاجَ الْمَاءِ مِنَ الْفَمِ اكْتُفِيَ بِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِنْشَاقِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالِاسْتِنْثَارِ (خَرَجَتِ الْخَطَايَا) : كَشَمِّ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ (مِنْ أَنْفِهِ) : أَيْ مَعَ الْمَاءِ (وَإِذَا) : وَفِي نُسْخَةٍ: بِالْفَاءِ ( «غَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ» ) : أَيْ: أَهْدَابِهِمَا.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَرَّ أَنَّ الْخَطَايَا إِنَّمَا تَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ فَقَطْ، وَجَعْلُ الْخُرُوجِ مِنْهَا هُنَا غَايَةً يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَا هُنَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ إِنِ اكْتَسَبَ بِمَا عَدَا فَمِهِ وَأَنْفِهِ وَعَيْنِهِ مِنْ بَقِيَّةِ وَجْهِهِ خَطِيئَةً خَرَجَتْ بِغَسْلِهِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُلَائِمُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولَ مِنْ ذَقْنِهِ (فَإِذَا) : هُنَا وَفِيمَا بَعْدَ الْفَاءِ لَا غَيْرَ (غَسَلَ يَدَيْهِ) : أَيْ: إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ ( «خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ.
فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ» ) ظَاهِرُهُ الِاسْتِيعَابُ ( «خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ» ) بِضَمِّ الذَّالِ وَسُكُونِهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ وَأَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ بِمَائِهِ لَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَتَكَلَّفَ لَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِمَا يَنْبُو عَنْهُ السَّمْعُ (فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ) : أَيْ: إِلَى الْكَعْبَيْنِ ( «خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ.
ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ» ) : سَوَاءٌ كَانَتْ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً (نَافِلَةً لَهُ) أَيْ: زَائِدَةً عَلَى تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَهِيَ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ.
أَوْ زَائِدَةً عَنْ تَكْفِيرِ سَيِّئَاتِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَهِيَ لِسَيِّئَاتٍ أُخَرَ إِنْ وُجِدَتْ وَإِلَّا فَلِتَخْفِيفِ الْكَبَائِرِ ثُمَّ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِيمَا سَبَقَ (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالنَّسَائِيُّ) .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

✩✩✩✩✩✩✩

298 – وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ، بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟) قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ» ) .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

Success Habits

298 – (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) : – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَتَى الْمَقْبَرَةَ) : بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ قَلِيلٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَقْبَرَةُ الْبَقِيعِ (فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) : إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الزَّائِرَ وَيُدْرِكُونَ كَلَامَهُ وَسَلَامَهُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي الْحَدِيثِ أَنَّ السَّلَامَ عَلَى الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ سَوَاءٌ فِي تَقْدِيمِ السَّلَامِ عَلَى عَلَيْكُمْ (دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) : نَصَبَ دَارَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوِ النِّدَاءِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ، وَالْمُرَادُ بِالدَّارِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْجَمَاعَةُ وَالْأَهْلُ، وَيُحْتَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ الْمَنْزِلُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَحَدُ الْمَجَازَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ تَعْيِينُ التَّخْصِيصِ فِي الدُّعَاءِ لِأَهْلِ مَقْبَرَةٍ وَنَحْوِهِمْ مِمَّا يَقْتَضِي الْعُمُومَ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
( «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» ) : فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ أَقْوَالٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ مَنْ يُحْسِنُ الْكَلَامَ بِهِ، الثَّالِثُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَائِدٌ عَلَى اللُّحُوقِ بِالْمَكَانِ الْمُتَبَرِّكِ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] (وَدِدْتُ) : بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ تَمَنَّيْتُ وَأَحْبَبْتُ (أَنَا) : أَيْ: أَنَا وَأَصْحَابِي (قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) : تَمَنَّى رُؤْيَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ، وَقِيلَ: بَعْدَ الْمَمَاتِ (قَالُوا: أَوَلَسْنَا) : أَيْ: أَتَقُولُ هَذَا وَلَسْنَا (إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي) : لَيْسَ هَذَا نَفْيًا لِأُخُوَّتِهِمْ لَكِنْ ذَكَرَ لَهُمْ مَزِيَّةً بِالصُّحْبَةِ عَلَى الْأُخُوَّةِ فَهُمْ إِخْوَةٌ وَصَحَابَةٌ، وَاللَّاحِقُونَ إِخْوَةٌ فَحَسْبُ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} [الأنفال: 2] (وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ) أَيْ: لَمْ يَلْحَقُوا إِلَى الْآنَ، أَوْ لَمْ يَأْتُوا إِلَيْنَا.
قِيلَ: وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اللَّاحِقِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ التَّابِعِينَ، لَكِنْ يَأْبَاهُ سُؤَالُهُمُ الْآتِي الشَّامِلُ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ، فَإِنْ قُلْتَ: فَأَيُّ اتِّصَالٍ لِهَذِهِ الْوِدَادَةِ بِذِكْرِ أَصْحَابِ الْقُبُورِ؟ قُلْتُ: عِنْدَ تَصَوُّرِ السَّابِقِينَ تَصَوُّرُ اللَّاحِقِينَ، أَوْ كُشِفَ لَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ عَالَمُ الْأَرْوَاحِ، فَشَاهَدَ الْأَرْوَاحَ الْمُجَنَّدَةَ السَّابِقِينَ مِنْهُمْ وَاللَّاحِقِينَ ( «فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ؟) .
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَسُؤَالُهُمْ بِقَوْلِهِمْ: كَيْفَ تَعْرِفُ أَيْ فِي الْمَحْشَرِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّكَ تَمَنَّيْتَ رُؤْيَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يُتَمَنَّى مَا لَمْ يَكُنْ حُصُولُهُ.
فَإِذَنْ كَيْفَ تَعْرِفُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْآخِرَةِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ الْآتِيَ: غَيْرُ مُحَجَّلَةٍ لِظُهُورِهِمَا حِينَئِذٍ (فَقَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: بِدُونِ الْفَاءِ (أَرَأَيْتَ) : أَيْ: أَخْبِرْنِي أَيُّهَا الْمُخَاطِبُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ أَيْ: مَثَلًا (غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ) قِيلَ: الظَّهْرُ مُقْحَمٌ.
فِي النِّهَايَةِ: أَقَامُوا بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ: أَيْ: أَقَامُوا بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِظْهَارِ وَالِاسْتِنَادِ إِلَيْهِمْ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ ظَهْرًا مِنْهُمْ قُدَّامَهُ وَظَهْرًا وَرَاءَهُ، فَهُوَ مَكْنُوفٌ مِنْ جَانِبَيْهِ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اسْتُعْمِلَ فِي الْإِقَامَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ مُطْلَقًا كَذَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ.
أَقُولُ: ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْإِقَامَةِ بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ مَجَازًا (دُهْمٍ) : أَيْ: سُودٍ (بُهْمٍ) : الْبُهْمُ: السُّودُ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنُهُ لَوْنَ سِوَاهُ قَرَنَهُ بِالدُّهْمِ مُبَالَغَةً فِي السَّوَادِ (أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟) الْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ (قَالُوا: بَلَى) يَعْرِفُهَا (يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ (فَإِنَّهُمْ) : أَيْ: أُمَّةُ الْإِجَابَةِ جَمِيعًا ( «يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوَضُوءِ» ) بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ أَيْ: مِنْ أَجْلِهِ ( «وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ» ) : أَيْ: مُتَقَدِّمُهُمْ إِلَى حَوْضِي فِي الْمَحْشَرِ فَإِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا يُقَالُ: فَرَطَ يَفْرُطُ فَهُوَ فَارِطٌ، وَفَرَطٌ إِذَا تَقَدَّمَ وَسَبَقَ الْقَوْمَ لِيَرْتَادَ لَهُمُ الْمَاءَ وَيُهَيِّئَ لَهُمُ الدِّلَاءَ وَالْأَرْشِيَةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

✩✩✩✩✩✩✩

299 – وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِالسُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، فَأَنْظُرُ إِلَى مَا بَيْنَ يَدِي فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَمِنْ خَلْفِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ يَمِينِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ شِمَالِي مِثْلُ ذَلِكَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ؟ قَالَ: هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، لَيْسَ أَحَدٌ كَذَلِكَ غَيْرَهُمْ، وَأَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ تَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُمْ» ) .
رَوَاهُ أَحْمَدُ.

Multi-Level Affiliate Program Affiliate Program

299 – (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – (أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ) : بِالْهَمْزِ وَيُبَدَّلُ (بِالسُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ رُوحَهُ أَوْ نُورَهُ (وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ) إِشَارَةً إِلَى مَقَامِ الشَّفَاعَةِ كَمَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ: (فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا) إِلَى قَوْلِهِ: (فَيَقُولُ لِيَ ارْفَعْ مُحَمَّدُ) (فَأَنْظُرُ) : الْفَاءُ فَصِيحَةٌ، أَوْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَنْظُرُ (إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيَّ) : أَيْ قُدَّامِي (فَأَعْرِفُ) : أَيْ: أُمَيِّزُ لِيَسْتَقِيمَ تَعَلُّقُ مَنْ بِهِ (أُمَّتِي) : أَيِ: الَّذِينَ أَجَابُوا (مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ وَمِنْ خَلْفِي) : أَيْ: وَأَنْظُرُ مِنْ وَرَائِي (مِثْلَ ذَلِكَ) : بِالنِّصْفِ أَيْ: فَأَعْرِفُ أُمَّتِي وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ جُمْلَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمْلَتَيْنِ قَبْلَهَا خِلَافَ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَقْدِيرِنَا (وَعَنْ يَمِينِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ شِمَالِي مِثْلُ ذَلِكَ) يَعْنِي مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَتِهِمْ وَتَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِمْ «فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ» ) : أَيْ: سَائِرِهِمْ (فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ) : بَيَانٌ لِلْأُمَمِ حَالٌ مِنْهُ أَيِ: الْأُمَمُ كَائِنَةٌ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ، وَلَوْ قِيلَ: هُوَ ظَرْفٌ لِـ ” تَعْرِفُ ” لَرَجَعَ الْمَعْنَى كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ؟ وَلَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ مِنَ الْأُمَمِ مَعْنًى، وَإِنَّمَا خَصَّ نُوحًا مَعَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَآدَمَ وَشِيثٍ وَإِدْرِيسَ قَدْ بُعِثُوا قَبْلَهُ لِشُهْرَتِهِ أَوْ لِكَثْرَةِ أُمَّتِهِ وَإِلَى فِي قَوْلِهِ (إِلَى أُمَّتِكَ؟) : لِلِانْتِهَاءِ أَيْ: مُبْتَدِئًا مِنْ نُوحٍ مُنْتَهِيًا إِلَى أُمَّتِكَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَانَ الْقِيَاسُ وَأُمَّتُكَ لِتَعَيُّنِ عَطْفِ مَا بَعْدَ بَيْنَ بِالْوَاوِ فَيُقَدَّرُ مَحْذُوفٌ بَعْدَ نُوحٍ، وَقِيلَ إِلَى لِدَلَالَةِ كُلٍّ مِنْ ” بَيْنَ ” ” وَإِلَى ” عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ، وَالتَّقْدِيرُ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَغَيْرِهِ مُبْتَدِئًا ذَلِكَ مِنْ أُمَّتِهِ أَوْ زَمَنِهِ إِلَى أُمَّتِكَ أَوْ زَمَنِهِمْ (قَالَ: هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، لَيْسَ أَحَدٌ كَذَلِكَ) وَفِي: نُسْخَةٍ كَذَاكَ (غَيْرُهُمْ) : بِالرَّفْعِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ أُمَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَأَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ) : وَلَعَلَّ هَذَا فِي وَقْتٍ خَاصٍّ لَهُمْ قَبْلَ إِيتَاءِ الْكُتُبِ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ، أَوْ لِكُتُبِهِمْ نُورٌ زَائِدٌ عَلَى كُتُبِ غَيْرِهِمْ ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِمْ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ ذَلِكَ قَبْلَ غَيْرِهِمْ، أَوْ عَلَى صِفَةٍ لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِمْ، إِذِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَبَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ الْعُمُومُ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ يُؤْتَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَيْضًا، وَهُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ أَيْضًا، وَمَا اقْتَضَتْهُ الْآيَةُ مِنْ أَنَّ مَنْ يُؤْتَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ لَا يَصْلَى النَّارَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْلَاهَا صُلُوَّ الْكَافِرِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل: 15] الْآيَةَ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ الْفَاسِقَ الَّذِي أُرِيدَ تَعْذِيبُهُ يُعْطَاهُ بِيَمِينِهِ أَوَّلًا قَبْلَ دُخُولِهِ النَّارَ، ثُمَّ خَالَفَهُ وَقَالَ: إِنَّمَا يُعْطَاهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلَ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّقَّاشُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مَا يَقْتَضِيهِ اهـ.
لَكِنَّ قَوْلَهُ: دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ أَيْضًا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ مَسْكُوتَةٌ عَنْ حَالِ الْفَاسِقِ فِي إِعْطَاءِ الْكُتُبِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَفِي ثِقَلِ الْمِيزَانِ وَخِفَّتِهِ أَيْضًا، وَلَعَلَّهُ لَيَكُونُ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَأَعْرِفُهُمْ تَسْعَى) : بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) يَحْتَمِلُ الِاخْتِصَاصَ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمْ يَأْتِ بِالْوَصْفَيْنِ هَذَيْنِ تَفْصِلَةً وَتَمْيِيزًا كَالْأَوَّلِ، بَلْ أَتَى بِهِمَا مَدْحًا لِأُمَّتِهِ وَابْتِهَاجًا بِمَا أُوتُوا مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْفَضِيلَةِ.
(رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.

✩✩✩✩✩✩✩

 

Visits: 0

healthy primal banner advert

Leave a Comment

 
Scroll to Top